والمفروض أن يكون الرسول (صلى الله عليه وآله) في مستوى أعلى من هذا، فعاتبه فنزلت الآيات، وكان رسول الله(صلى الله عليه وآله) بعد ذلك يكرمه، وإذا رآه قال: مرحباً بمن عاتبني فيه ربّي، ويقول له: هل لك حاجة؟ واستخلفه على المدينة مرّتين في غزوتين.
وسواء أصحّ هذا التفسير أو ذاك التفسير، وسواء أكان الخطاب موجّهاً إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله) أو إلى شخص آخر هو عثكن أو غيره، هناك آيات اُخرى في القرآن الكريم تدُلّ على أنّ هذا الجوّ كان يعيشه رسول الله(صلى الله عليه وآله)، أي: أنّها تدلّ على أنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله) كان مبتلى بهذه المشكلة؛ إذ إنّ الملتفّين حوله هم الفقراء والمساكين والمستضعفون، ورسول الله(صلى الله عليه وآله) كان يطمح في هداية الصناديد كبار القوم، وكان يُعاني من هذه المشكلة بحيث لو اتّجه نحو هؤلاء المساكين، فاُولئك يبتعدون عنه، ورسول الله(صلى الله عليه وآله) يُريد أن يُقرّبهم إلى الإسلام، ولو اتّجه إلى اُولئك، فهؤلاء الفقراء يُظلمون؛ باعتبار أنّ هؤلاء المستضعفين هم المؤمنون حقّاً، فمن تلك الآيات قوله تعالى: ﴿وَلاَ تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسَابِهِم مِّن شَيْء وَمَا مِنْ حِسَابِكَ عَلَيْهِم مِّن شَيْء فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ * وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُم بِبَعْض لِّيَقُولواْ أَهـؤُلاء مَنَّ اللّهُ عَلَيْهِم مِّن بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ﴾(1)، ولنلاحظ جوَّ الآية، إنّ هناك جماعةً يعتبرون أنفسهم الملأ والعَلِيّة من قومهم،
(1) سورة الأنعام، الآية: 52 ـ 53.