والتحقيق: أنّ هذه الروايات غير تامّة الدلالة على المقصود، وذلك لأنها ـ كما أشرنا إليه ـ تنظر إلى الإمامة بالمعنى المطلق الشامل للإمامة في الأحكام السلطانيّة والإمامة في الأحكام الفقهية، لا إلى مطلق الإمامة التي يكفي في صدقها مجرّد الإمامة في الأحكام السلطانية، ومن الواضح أن الفقاهة شرط في الإمامة بذاك المعنى، فإنّ من لا يكون فقيهاً وعالماً بأحكام الفقه لا عن تقليد لا يعقل أن يكون مصدراً للآراء الفقهية يتبعه الناس فيها، وهذا لا ينافي فرض تولّي شخص لإدارة الأُمور من زاوية الأحكام السلطانية فحسب، مع كونه في نفس الوقت مقلّداً يأخذ الأحكام الفقهية من فقيه ما، وفي ضوئها يصدر أحكامه السلطانيّة، فهذه الروايات لا تكفي لإبطال هذه الفرضيّة.
وهناك روايات أُخرى في المقام، وهي روايات فضل العالم، من قبيل حديث «اللهمّ ارحم خلفائي...» وحديث «العلماء ورثة الأنبياء» وحديث «الفقهاء حصون الإسلام» وحديث «الفقهاء أُمناء الرسل» وحديث «العلماء حكّام على الناس» وحديث «مجاري الأُمور والأحكام على أيدي العلماء». وإن أردت الاطلاع عليها مع تشخيص مصادرها فبإمكانك الرجوع إلى كتاب «دراسات في ولاية الفقيه» الجزء الأوّل، الفصل الثالث من الباب الخامس، وقد جاء فيه ـ بعد مناقشة دلالة تمام هذه الروايات على مبدأ ولاية الفقيه العامّة ـ: «نعم دلالة جميع هذه الروايات على تقدّم الفقيه على غيره وصلاحيته لذلك، وأنّه أصلح من غيره ممّا لا إشكال فيها»(1).
(1) دراسات في ولاية الفقيه 1: 489.