في أوّل كلامه على أنّ المرجع في إثبات الشرائط هو العقل والكتاب والسنّة، وهذا يعني أنّ مقصوده هو التمسّك بالعقل بدقيق معنى الكلمة، وأمّا بناء العقلاء فليس ينشأ دائماً من حكم العقل بحتاً، بل قد تتدخّل فيه عوامل أُخرى من عواطف أو عادات أو صُدف و أسباب أُخرى، ولهذا تكون حجّيّة الارتكازات والسير العقلائيّة في طول إثبات موافقة الشارع لها وإمضائه إيّاها ولو بدليل عدم وصول الردع، فليس هو دليلا مستقلاّ في عرض الكتاب والسنّة، بل التمسّك في الحقيقة يكون بتقرير المعصوم الذي هو قسم من أقسام السنّة في مقابل قول المعصوم وفعله، فطريقة الاستدلال ببناء العقلاء تختلف عن طريقة الاستدلال بحكم العقل، واستشهاده بفعل العقلاء ودأبهم وديدنهم يعني أنّ المقصود هو الاستدلال ببناء العقلاء، وفي أكبر الظن أنّه خلط بين الأمرين وتخيّل أنّ بناء العقلاء دليل على حكم العقل، ففي واقع الأمر أراد التمسّك بحكم العقل.
وعلى أ يّة حال فلا ينبغي الإشكال في ما ذكره من حكم العقل أو بناء العقلاء، على أنّ من يلي أمراً يجب أن يكون عارفاً به، فمن يلي أُمور المسلمين يجب أن يكون عارفاً بأحكام اللّه؛ لأنّ الهدف هو تطبيق أحكام اللّه والحكم بما أنزل اللّه ﴿ وَمَن لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ... هُمُ الظَّالِمُونَ... هُمُ الْفَاسِقُونَ ﴾(1)، وإنّما السؤال الذي يتوجّه في المقام هو أنّه هل يدّعى وجوب كون المعرفة بالأحكام معرفة واقعيّة ـ أي علماً وجدانيّاً بالأحكام الواقعيّة ـ أو تكفي المعرفة الظاهريّة التعبّديّة؟
(1) سورة المائدة: الآية 44، 45، 47.