المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول القسم الأوّل - الجزء الرابع

475

وأمّا مع قطع النظر عن القرينة فهل يكون أيضاً فرق بين الإطلاق في جانب الأمر والإطلاق في جانب النهي بكون الأوّل بدليّاً والثاني شموليّاً أو لا؟

ذهب الأصحاب(قدس سرهم) إلى الفرق بينهما بذلك، والسرّ في ذلك ما ذكره المحقّق العراقيّ(قدس سره)(1) وغيره من أنّ الأمر أمر بإيجاد الطبيعة، والطبيعة توجد بأوّل فرد فيكفي في امتثال الأمر الإتيان بفرد واحد، والنهي زجر عن إيجاد الطبيعة، والطبيعة توجد بأوّل فرد فيجب ترك جميع الأفراد حتّى يحصل ترك الطبيعة، فالإطلاق في الأوّل بدليّ وفي الثاني شموليّ، فقد جعلوا قوله مثلاً: (صلّ) نظير قوله: (أكرم عالماً)، وقوله: (لا تغتب) نظير قوله: (أكرم العالم) في كون الثاني شموليّاً والأوّل بدليّاً، فكأنّهم جعلوا الشموليّة عبارة عن مطلق كون الحكم بنحو يجب في مقام الامتثال تطبيق العمل من فعل أو ترك على جميع الأفراد، والبدليّة عبارة عن مطلق كون الحكم بنحو يكفي في مقام الامتثال تطبيق العمل على أحد الأفراد على سبيل البدل.

لكن التحقيق: أنّ هذا الاصطلاح في الحقيقة خلط بين مقامين:

الأوّل: مقام تعلّق التكليف بالشيء. والثاني: مقام امتثال التكليف. توضيح ذلك: أنّ قوله: (أكرم عالماً) وقوله: (صلّ) وإن اشتركا في جواز الاكتفاء في كلّ منهما بفرد واحد، لكن ذلك في الثاني يكون من باب أنّ الحكم تعلّق بالطبيعة ولم يسر إلى الفرد والطبيعة تحصل بأوّل وجودها، وفي الأوّل يكون من باب أنّ الحكم وإن سرى من الطبيعة إلى الفرد لكن اُخذ في الكلام قيد عنوان أحد الأفراد، وهذا القيد مستفاد من التنوين كما يأتي تفصيله إن شاء الله، وأيضاً قوله: (أكرم العالم) وقوله: (لا تغتب) وإن اشتركا في كون كلّ منهما مستدعياً لتطبيق العمل



(1) راجع المقالات، ج 1، المقالة: 39، ص 502 بحسب طبعة مجمع الفكر الإسلاميّ بقم.