وإن اخترنا في الأمر الأوّل المبنى الأوّل وفي الأمر الثاني المبنى الثاني فلدعوى حجّيّة العامّ في ذلك مجال؛ وذلك لأنّ العامّ يدلّ على وجوب إكرام زيد بما هو عالم، وهذه الدلالة لم يعلم كذبها؛ لأنّ المفروض أنّ العامّ لم يعنون بسبب التخصيص بعنوان خاصّ.
وإن اخترنا في الأمر الأوّل المبنى الثاني كان لدعوى حجّيّة العامّ في ذلك مجال، سواءً اخترنا في الأمر الثاني المبنى الأوّل أو الثاني؛ لأنّ المفروض أنّ العامّ يدلّ على وجوب إكرام زيد العالم، وهذا غير معلوم الكذب ولو فرض تعنون العامّ بعنوان خاصّ؛ لأنّ العامّ لم يدلّ على وجوب إكرامه بما هو عالم حتّى يقال: إنّا نعلم بأنّ زيداً غير واجب الإكرام بما هو عالم، وأنّه لو كان واجب الإكرام فإنّما هو كذلك بما هو عالم عادل أو بما هو عادل غير فاسق.
وبما أنّ المحقّق النائينيّ(رحمه الله) اختار في الأمر الأوّل المبنى الأوّل وفي الأمر الثاني المبنى الأوّل ادّعى بداهة عدم حجّيّة العامّ في الشبهة المصداقيّة للمخصّص المنفصل.
والآن يجب أن ندخل في بحث هذين الأمرين فنقول:
الأمر الأوّل: أنّه هل العامّ يثبت الحكم للأفراد من دون دلالة على أنّ مناط الحكم فيها عنوان العامّ فقط أو مع الدلالة على ذلك؟ والحقّ هو الأوّل، ولا يصحّ قياس العامّ بالمطلق، فإنّه في المطلق يكون الحكم ثابتاً للأفراد بما هي أفراد لذلك العنوان ويكون مناط الحكم فيها هو ذلك العنوان فقط؛ وذلك لقيام برهان فنّيّ عليه، وهو: أنّ الإطلاق ـ على ما هو الحقّ ـ عبارة عن تعرية الخصوصيّات، فالحكم إنّما عرض أوّلاً وبالذات على ذات الطبيعة المعرّاة عن الخصوصيّات ثُمّ يحكم العقل بسريانه إلى كلّ فرد ببركة انطباق الطبيعة على الأفراد، فلا محالة