المولفات

المؤلفات > مباحث الاُصول القسم الأوّل - الجزء الرابع

137

للمعارضة، والبرهان على ذلك: أنّ انحلال المعارضة بالتصرّف في الدليل الثالث مساوق للقول بأنّ صدقهما معاً موقوف على كون الدليل الثالث بظاهره كذباً، وإلّا فلماذا تنحلّ المعارضة برفع اليد عن ظاهر الدليل الثالث؟

فظهر: أنّ صدقهما يستلزم كذب الثالث، وهذا مساوق لكون صدق الثالث مستلزماً لكذب أحدهما، فتحقّق العلم الإجماليّ بأنّه إمّا يكون الدليل الثالث كذباً أو يكون أحد الدليلين الأوّلين كذباً، وهذا علم إجماليّ منجّز، وهذا هو ملاك المعارضة في الأدلّة الاجتهاديّة، فصار الثالث طرفاً للمعارضة مع الجامع، فلو كان لهما ظهور أقوى من ظهور الثالث قدّما عليه وحكم بكذب الثالث.

وفي المثال الذي ذكره توجد ثلاث ظهورات: ظهور الخاصّ في نفي الإلزام، وظهور العامّ في العموم، وظهور الصيغة في الوجوب، ونعلم إجمالاً بكذب ظهور الصيغة في الوجوب أو كذب أحد الأوّلين، فإنّه إذا كانا صادقين فالصيغة كاذبة، ولذا يرتفع التعارض برفع اليد عن الصيغة، وإذا كانت الصيغة صادقة فأحدهما كاذب، فظهور الصيغة داخل في دائرة المعارضة.

وأمّا الوجه في أنّنا نجمع بين هذين الدليلين بتخصيص العموم لا بالتصرّف في ظهور الصيغة ـ مع أنّ ظهور الصيغة أيضاً داخل في دائرة المعارضة بما عرفته من البرهان ـ فهو: أنّ الخاصّ إنّما يصلح عرفاً قرينة لصرف ظهور ذلك العامّ في العموم لا لصرف ظهور تلك الصيغة في الوجوب، والبرهان على ذلك: أ نّا لو جمعنا بين الدليلين في عبارة واحدة حتّى لا يبقى ظهور لذي القرينة في مفاده الأصليّ بلحاظ المعنى المتحصّل وقلنا: (أكرم كلّ عالم ولا يجب إكرام زيد العالم)، رأينا أنّ المنتفي هو ظهور العامّ في العموم لا ظهور الصيغة في الوجوب، فثبت أنّ ذا القرينة هو العموم لا الصيغة.