ويرى أنّ مصلحة الوضوء التي توجب المشقّة أهمّ للعبد من مصلحة عدم المشقّة أو بالعكس:
فإن فُرض أنّ المصلحة كانت هي الغالبة فلا امتنان في رفع اليد عن الوضوء بل الامتنان في الأمر بالوضوء.
وإن فُرض أنّ مفسدة المشقّة هي الغالبة ـ مثلا ـ فبعد الكسر والانكسار لا تبقى مصلحة أصلا كي تكون مقتضية للأمر.
وإن فُرض بتساوي المصلحة والمفسدة فلا مقتضي أيضاً للأمر ولا للنهي.
فليس إعمال المولى الحقيقيّ للرفع من باب أنّ المقتضي للطلب موجود ومع هذا لا يطلب، بل نكتة الامتنان هي أنّ الشريعة تكون لمصالح العبيد، وتكون ناظرة إلى جميع الجهات المؤثّرة في حال العبد، إذن فحديث الرفع لا يدلّ على أنّ المقتضي للحرمة موجود(1)، بل يجب أن يكون المقتضي غير موجود، والامتنان إنّما يكون باعتبار أنّ المولى لاحظ في هذا الرفع جميع الجهات المؤثّرة في حال العبد(2).
(1) قد يقول قائل: مادام أنّ صيغة «رفع عن اُمّتي» ظاهرة في الامتنان وإبراز الشفقة، ومادام أنّ ثبوت الامتنان في جميع أحكام الشرع ـ سواءً كانت إلزاميّة أو ترخيصيّة ـ واضحة، فالمفهوم عرفاً من هذه الجملة إبراز الشفقة والمنّة بخصوص مصلحة التسهيل المحبّبة إلى قلوب السواد العامّ للناس، والمخصوصة برفع الإلزام دون وضعه، وتأثير مصلحة التسهيل إنّما يثبت لو ثبت ملاك الإلزام، وإلاّ لما كان الرفع للتسهيل؛ إذ لا ملاك للإلزام حتّى يسهّل على العبد بنكتة مصلحة التسهيل.
(2) يمكن أن تغيّر صيغة الأمر الأوّل بنحو لا يرد عليه هذا الإشكال، وذلك بأن يقال: إنّ الرفع الحقيقيّ في المقام غير معقول؛ فإنّ التكليف لم يوضع على المضطرّ من أوّل
←