الثاني: يرجع إلى الدعوى الاُولى، وهو: أنّه صحيح أنّ الضدّ مع ضدّه الآخر معلولان لشيء واحد ولكن هذا ليس بمعنى أنّ الشيء الواحد أثّر في الأمرين أي: أنشأهما، سنخ تأثير شيء في أمرين وجوديّين حتّى يقال: لو حجب عن تأثيره في الأمر الأوّل فلماذا لا يؤثّر في الأمر الثاني، فإنّه قد تقدّم في بحث الضدّ أنّ هذا المعنى غير معقول، فإنّ علّيّة الأمر الوجوديّ للأمر العدميّ ـ كعلّيّة الأمر العدميّ للأمر الوجوديّ ـ مستحيلة، وإنّما المعنى المعقول لعلّيّة علّة أحد الضدّين لعدم الضدّ الآخر هو مانعيّتها عن تأثير مقتضي الضدّ الآخر، ففي الحقيقة علّة الضدّ لها تأثير واحد وهو إيجاد هذا الضدّ، وحيث إنّه يستحيل أن يجتمع هذا الضدّ مع ذاك الضدّ فبقدر ما يقرّب إلى وجود هذا الضدّ يبعّد عن الضدّ الآخر، فيمنع عن تأثير مقتضي الضدّ الآخر، وحينئذ إذا تعطّلت هذه المقرّبيّة فلا موجب لتبعيده عن الضدّ الآخر؛ لأنّها بتأثير وحدانيّ لا بتأثيرين.
الثالث: راجع إلى منهجة كلام المحقّق النائينيّ(رحمه الله)، وهو: أنّه لو كانت الدعوى الثانية صحيحة فلا نحتاج إلى إثبات الدعوى الاُولى، فإنّه يقال بأنّ دليل النهي يدلّ على الحرمة مطابقة ويدلّ على المانعيّة التزاميّاً، وإذا سقطت الدلالة الاُولى عن الحجّيّة بقيت الثانية على الحجّيّة بلا حاجة في ذلك إلى المقدّمة الاُولى(1) ولو
(1) لعلّ المحقّق النائينيّ(رحمه الله) يقول: إنّه لو كانت المانعيّة معلولة للحرمة فنحن نقطع بزوال هذه الحصّة من المانعيّة المدلول عليها التزاماً؛ وذلك للقطع بزوال الحرمة، وإنّما يتمّ القول ببقاء الدلالة الالتزاميّة على الحجّيّة رغم سقوط المطابقيّة في إحدى حالتين:
الاُولى: فيما إذا لم نقطع بانتفاء ما دلّت عليه المطابقيّة في الواقع، غاية الأمر أنّ الدلالة سقطت عن الحجّيّة فنبقى نحتمل صدق الدلالة الالتزاميّة حتّى ولو كان المدلول الالتزاميّ معلولا للمدلول المطابقيّ وفي طوله.
←