وهذا مبنيّ على مبنى لا نقبله، ولو قبلناه إذن فلماذا يختصّ بالمقام، ولماذا لا يجري في مثل (صلّ) و(لا تصلّ)؟ فهنا أيضاً يجب أن يقال بإحراز المناطين وثبوت المحبوبيّة والمبغوضيّة الشأنيّتين، مع أنّه لا يلتزم به أحد.
وكأنّ المحقّق العراقيّ الذي حاول سلوك نفس هذا الطريق(1) أراد أن يدفع النقض بمثل (صلّ) و(لا تصلّ)، فذكر أنّه في مثل (صلّ) و(لا تصلّ) يكون كلّ من الطلبين ـ أي: طلب الفعل وطلب الترك ـ دالاًّ على النهي عن الضدّ العامّ لمتعلّقه، وهذا النهي دالٌّ على نفي الملاك في ذلك الضدّ العامّ، فيقع التعارض حتّى بلحاظ الدلالة على الملاك، فهذا بابه باب التعارض البحت.
هذا في عنوان واحد، وأمّا في عنوانين بينهما عموم من وجه كـ (صلّ) و(لا تغصب) فإمّا أن يفرض أنّهما متغايران بتمامها، أو أنّهما مشتركان في جزء ومتغايران في جزء آخر، كأن تكون الصلاة عبارة عن الحركة العباديّة والغصب عبارة عن الحركة الغصبيّة، فاشتركتا في الحركة، أمّا مع التغاير فمن الواضح أنّ أحد الطلبين لا ينفي الملاك في العنوان الآخر، وأمّا مع الاشتراك فالأمر بالصلاة ـ مثلا ـ يدلّ على نفي مبادئ الطلب في نقيض المجموع من الحركة والعباديّة، وهذا لا ينافي أن يكون في ترك المجموع من الحركة والغصبيّة مبادئ الطلب، فالأصل في موارد العموم من وجه هو التزاحم الملاكيّ، ولهذا ميّز الفقهاء بين مورد الاجتماع ومورد التعارض وذكروا أنّ الأوّل من باب التزاحم دون الثاني(2).
(1) راجع المقالات، ج 1، ص 370 بحسب طبعة مجمع الفكر الإسلاميّ، ونهاية الأفكار، ج 1 و 2، ص 439 بحسب طبعة جماعة المدرّسين بقم.
(2) راجع المقالات، ج 1، ص 372 ـ 373 بحسب طبعة مجمع الفكر الإسلاميّ، ونهاية الأفكار، ج 1 و 2، ص 440 بحسب طبعة جماعة المدرّسين بقم.