أحدهما)، لم يطلب ترك الجامع، وإنّما رمز إلى فرد واحد على تردّده وطلب ترك فرد واحد، فكان يكفي في الامتثال أن يترك فرداً واحداً منهما(1). هذا تمام الكلام في صيغة النهي، ويمكن أن تقاس مادّة النهي على صيغته في جُلّ ما ذكرناه فلا نستأنف بحثاً عنها.
(1) الصحيح هو الفرق بين جملة (اترك أحدهما) وجملة (لا تفعل أحدهما)، فيُفهم من الأوّل كفاية ترك فرد واحد على سبيل التخيير، ويُفهم من الثاني لزوم ترك كلا الفردين. والسرّ في ذلك: أنّ عنوان (أحدهما) بالآخرة جامع ـ نعم، هو جامع انتزاعيّ، ولهذا أمكن انتزاعه عن الخصوصيّات، بخلاف الجامع الحقيقيّ الذي لا يكون إلاّ بإلغاء الخصوصيّات ـ وهذا الجامع كالجامع الحقيقيّ لا ينتفي إلاّ بانتفاء كلّ أفراده، ولكن قد اُخذ فيه لغةً الإشارة إلى فرد واحد على سبيل البدل، أي: إنّه اُشرب معنى التنوين، فكما يوجد فرق بين قولنا: (اترك خمراً) وقولنا: (لا تقرب خمراً)، حيث يُفهم من الأوّل كفاية ترك خمر واحد، ويُفهم من الثاني لزوم ترك كلّ خمر، أو بين قولنا: (اترك كذباً) وقولنا: (لا تتكلّم بكذب)، فيُفهم من الأوّل كفاية ترك كذب واحد، بينما يُفهم من الثاني لزوم ترك كلّ كذب، كذلك الحال في مثال: (اترك أحدهما) و(لا تفعل أحدهما).
ونكتة ذلك هي الفرق بين النكرة في سياق النفي والنكرة في سياق الإثبات فـ (اترك) إثباتٌ، وإذا انصبّ على المنوّن بتنوين الوحدة وما شابه ذلك أعطى معنى الأمر بإلباس الترك على فرد واحد على سبيل التخيير. و(لا تفعل) نفيٌ ينهى عن تحقّق فرد واحد في الخارج، أي: لابدّ من تطهير لوح الخارج عن الفرد الواحد، وهذا لا يكون إلاّ بترك كلّ الأفراد؛ إذ أيّ فرد لو جيء به فقد جيء بالفرد الواحد.