الشموليّة في إطلاق النهي والبدليّة في إطلاق الأمر:
الجهة الثانية: في كون الإطلاق في النهي شموليّاً انحلاليّاً وفي الأمر بدليّاً.
قد ذكر المشهور: أنّ الأمر يدلّ على طلب الطبيعة بنحو الإطلاق البدليّ، ولكن إطلاق النهي يكون شموليّاً انحلاليّاً.
ومن هنا يقع الكلام في أنّه كيف اختلف الإطلاق في النهي منه في الأمر، فصار في النهي شموليّاً وفي الأمر بدليّاً، في حين أنّ الدالّ على الإطلاق في كليهما واحد وهو مقدّمات الحكمة؟
وقد ذكر السيّد الاُستاذ ـ دامت بركاته ـ(1) في تفسير ذلك: أنّ الفرق ينشأ من مقدّمة عقليّة خاصّة، وأمّا ذات مقدّمات الحكمة فنتيجتها في كلّ الموارد واحدة، وهي جامع الإطلاق من دون تعيين كونه شموليّاً أو بدليّاً، فالشموليّة والبدليّة إنّما تفهم دائماً من مقدّمة خاصّة اُخرى.
فمثلا في متعلّق الأمر من قبيل قوله: (صلّ) توجد ثلاثة احتمالات: كون الواجب هو صِرف وجود الصلاة على شكل الإطلاق البدليّ، وكونه كلّ الصلوات على شكل الإطلاق الشموليّ، وكونه مجموعة معيّنة من الصلوات كعشرين صلاةً في عشرين بيتاً مثلا. والاحتمال الثالث منفيّ بمقدّمات الحكمة المشتركة في الإطلاقين الشموليّ والبدليّ؛ لأنّ خصوصيّة تلك المجموعة بحاجة إلى البيان ولم يبيّن، والمفروض أنّه بصدد البيان، فيبقى الأمر دائراً بين الاحتمالين الأوّلين.
وهنا يأتي دور المقدّمة الفعليّة المعيّنة للاحتمال الأوّل، وهي: أنّ إيجاب كلّ الصلوات على المكلّف غير معقول؛ لأنّه غير قادر على الإتيان بكلّ الصلوات
(1) راجع المحاضرات للفيّاض، ج 4، ص 97 - 114.