وأمّا الاستدلال على كون مفاد النهي هو اعتبار الحرمان من الفعل لا اعتبار الترك بمذهب العدليّة، فيرد عليه:
أوّلا: أنّنا نتكلّم في الوضع اللغويّ الثابت قبل تكوّن الإسلام ووجود أشاعرة وعدليّة، فما معنى الاستدلال على المدلول الوضعيّ بمذهب العدليّة؟!
وثانياً: فلتكن النواهي تابعة لمفسدة في الفعل، فالمولى يهدف للتوصّل إلى نقيض تلك المفسدة، وهذا كما يمكن باعتبار الحرمان كذلك يمكن باعتبار الترك في ذمّة المكلّف، فليس هذا دليلا على أنّ مفاد النهي هو اعتبار الحرمان من الفعل دون اعتبار الترك.
وغاية ما يمكن أن يقال هي: دعوى كون اعتبار الحرمان أنسب في المقام، ولكن متى صارت الأنسبيّة في الوضع دليلا على تعيين الوضع؟! فلعلّ الواضع ـ مثلا ـ لم يكن ملتفتاً إلى هذه الأنسبيّة التي التُفت إليها في المقام.
وأمّا الكلمة الثالثة: فهي أنّ ما ذُكر في الكلمة الاُولى من أنّ النهي يختلف عن الأمر في أنّ الأمر يدلّ على طلب الفعل والنهي يدلّ على الزجر عن الفعل، مطلب صحيح، وتوضيحه: أنّ النهي له مادّة وله هيئة، ومادّته تدلّ على الطبيعة، وهيئته تدلّ على النسبة الزجريّة. كما أنّ الأمر تدلّ مادّته على الطبيعة وهيئته على النسبة التحريكيّة، هذا بلحاظ الدلالة التصوّريّة. وأمّا بلحاظ الدلالة التصديقيّة الناشئة من ظهور الحال ومناسبات الحكم والموضوع، فالأمر يكشف عن داعي التحريك، والنهي يكشف عن داعي الزجر والمنع.
فعلى كلا المستويين ـ أعني: مستوى الدلالة التصوّريّة والتصديقيّة ـ يكون الفرق بين الأمر والنهي هو الفرق بين الطلب والزجر. ويدلّ على ذلك الوجدان العرفيّ واللغويّ، وهناك بعض المنبّهات لهذا الوجدان:
منها: أنّنا لو قلنا: إنّ النهي يدلّ على الزجر عن الطبيعة كان مدلول النهي مؤتلفاً