أحد الاُمور معقول بلا حاجة إلى فرض سريان الحكم إلى أفراد تلك الاُمور؛ فإنّ المكلّف المطيع حينما رأى نفسه مكلّفاً بعنوان أحد الاُمور فهو لا محالة يختار فرداً من تلك الأفراد لكي يكون محقِّقاً لعنوان أحد الاُمور.
أمّا الإيجاب على عنوان أحد المكلّفين وإشغال ذمّته فلا أثر له؛ إذ هل يُفرض هذا الإيجاب وإشغال الذمّة واقفاً على عنوان أحد المكلّفين من دون أن يسري إلى واقع أفراد المكلّفين، أو يُفرض سريان ذلك إلى أفراد المكلّفين بفناء هذا العنوان في الأفراد مثلا؟ فإن فُرض الأوّل فهذا لا يحرّك واقع أفراد المكلّفين. وإن فُرض الثاني فهل يسري الحكم وإشغال الذمّة إلى كلّ الأفراد أو إلى فرد معيّن أو إلى فرد مردّد؟ والكلّ غير معقول؛ إذ لو سرى إلى كلّ الأفراد لانقلب إلى الوجوب العينيّ، ولو سرى إلى فرد معيّن كان ترجيحاً بلا مرجّح، والفرد المردّد لا وجود له.
نعم، يبقى أن يُدّعى أنّ الحكم وإشغال الذمّة الشرعيّ يقف على عنوان أحدهم، ولكنّ العقل يحكم على أفراد المكلّفين بوجوب إفراغ ذمّة ذاك العنوان، ولزوم الإتيان بما أوجب المولى على ذاك العنوان إيصالا للمولى إلى ما أراد.
وهذه دعوى إن صحّت لأحوجتنا إلى تصوير آخر للوجوب الكفائيّ غير هذا التصوير؛ لأنّ هذا الوجوب العقليّ كفائيّ لا محالة، بينما هذا التصوير لم يفسّر لنا كفائيّة هذا الوجوب الذي جاء من قِبَل العقل، فلابدّ من تصويره بإحدى الصور الاُخرى لكي يختلف عن اللزوم العينيّ في كنهه أو في متعلّقه أو في إطلاقه، وإلاّ لكان لزاماً على الجميع أن يأتوا جميعاً بما اُوجِبَ على عنوان أحدهم وهو خلف. فعلى الأقلّ يتبرهن بذلك أنّ تصوير الوجوب الكفائيّ غير منحصر بهذا النحو من التصوير(1).
(1) ومن الغريب ما اختاره السيّد الخوئيّ(رحمه الله) في تقرير الفيّاض: من إرجاع الوجوب الكفائيّ إلى الوجوب على صرف الوجود، ودعوى انحصار تصوير الوجوب الكفائيّ بذلك بإبطال باقي الوجوه الاُخرى المتصوّرة في نظره.