الإيراد الثاني: أنّه لو وجب على كلّ واحد منهما الفعل مشروطاً بترك الآخر فلو فعلا معاً لم يحصل الامتثال؛ لعدم حصول شرط الوجوب أصلا، بينما ليس الأمر كذلك كما بيّنّا في الخصيصة الثالثة.
وهذا الإيراد مسجّل في المقام. ولا يمكن قياس المقام بالوجوب التخييريّ، فإنّه في الوجوب التخييريّ أمكن فرض مجموع الفعلين عدلا ثالثاً، فهو مخيّر بين هذا الفعل وحده وذاك وحده ومجموعهما، بينما في المقام لا يمكن فرض مجموع المكلّفين مكلّفاً ثالثاً يوجّه إليه الخطاب المشروط(1).
الصيغة الثالثة: أن يقال ما هو من قبيل ما ذكره المحقّق الإصفهانيّ(رحمه الله) في الوجوب التخييريّ، وذلك بأن يفرض تعدّد الملاك، وأنّ مجموع الملاكين تزاحم مع مصلحة التسهيل، فأوجبت مصلحة التسهيل ترخيص كلّ واحد منهما في الترك بشرط فعل الآخر، بل لا حاجة إلى فرض مصلحة التسهيل، فبالإمكان أن يُفرض أنّ كلّ واحد من الملاكين ليس بدرجة الإلزام وبنحو يكون فوته مؤذياً للمولى إلى حدّ يوجب حفظه، لكن فوتهما معاً تتحقّق فيه تلك الدرجة من الخسارة والأذيّة التي لا يريدها المولى. وهذا أمر عرفيّ يتّفق في حياتنا الاعتياديّة، فطلب المولى
ويمكن الجواب أيضاً بافتراض أنّ الملاك وإن كان واحداً بالنوع لكنّه كان موجوداً في فعل كلّ المكلّفين بنحو الاستغراق لا بنحو صرف الوجود، وعندئذ كان يُترقّب إيجاب الفعل على كلّ المكلّفين بنحو الوجوب المطلق والعينيّ، ولكنّ المولى عدل إلى الوجوب المشروط إرفاقاً بالمكلّفين لأجل مصلحة التسهيل.
(1) ولا يمكن أن يقال: إنّ الحكم في حقّ كلّ واحد منهم مشروط بعدم سبق الآخر عليه؛ إذ من الواضح أنّه إذا علم أحدهما أنّ الآخر سوف يأتي بالعمل في آخر الوقت جاز له أن لا يفعل.