ذلك؛ لوضوح أنّ أكثر من ذلك ـ وهو ثبوت القدرة على كلّ الأجزاء دفعة واحدة ـ أمر مستحيل؛ فإنّ(1) الوضوء فعل تدريجيٌّ يستحيل الإتيان بكلّ أجزائه دفعة واحدة، والفعل الذي يكون كذلك لا محالة تكون القدرة عليه أيضاً تدريجيّة، فوضوح ذلك وارتكازيّته يجعل ظاهر دليل التقييد بالقدرة هو التقييد بهذه القدرة التكوينيّة.
وعليه ففي مثال الثلج الذي يذوب بالتدريج لا إشكال في وجوب الوضوء وصحّته، حتّى لو فُرض عدم إمكان جمع الماء ثمّ الوضوء مع درك الصلاة في الوقت، بأن كان الوقت ضيّقاً، أو لم يكن يمكن جمع الماء، أي: لو لم يكن يستهلك بالتدريج في الوضوء كان يتلف، فيجب الوضوء بالتدريج به لو أمكن بلا إشكال.
وأمّا القدرة الشرعيّة بمعنى عدم وجود مانع شرعيّ وحكم مزاحم، فلو اُخذت في لسان الدليل فظاهر الدليل اشتراط ثبوت هذه القدرة دفعة واحدة؛ فإنّ الأصل في القيد المأخوذ في لسان الدليل هو كونه قيداً مقارناً، فلو قيّد الأمر بالوضوء ـ أو بأيّ شيء آخر ـ بعدم المانع الشرعيّ، كان معنى ذلك أنّ عدم المانع الشرعيّ شرط مقارن لذلك الأمر.
وعليه فنقول: لو اغترف غرفة من هذا الإناء، المفروض عدم إمكان التوضّئ الكامل بها، فبماذا يؤمر؟ هل بغسل الوجه أو بتمام الوضوء؟ فإن فُرض الأوّل، أي: أنّه يؤمر بغسل الوجه فهو غير صحيح؛ بداهة أنّ الأمر بغسل الوجه أمر ضمنيّ لا يكون إلاّ في ضمن الأمر بتمام الوضوء. وإن فُرض الثاني، أي: أنّه يؤمر بتمام الوضوء فهو أيضاً غير صحيح؛ لأنّه مشروط بعدم المانع الشرعيّ، بينما المانع
(1) ولو اُخذ مثل الوجدان التكوينيّ للماء في الموضوع فالمتبادر عرفاً أنّه إنّما اُخذ ذلك كمقدّمة لفرض تحقّق القدرة.