وثانياً: أنّه حتّى بناءً على أخذ القدرة الشرعيّة في موضوع الحكم بالوضوء، لا نسلّم كون القدرة ـ بمعنى عدم توجّه المانع الشرعيّ ـ مأخوذة في موضوعه؛ إذ غاية ما يقتضيه قوله: ﴿فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا﴾ هي اشتراط عدم تيسّر الوضوء في التيمّم، ولو بلحاظ الانشغال بالأهمّ، فيكون موضوع الحكم بالوضوء تيسّر الوضوء بمعنى يشمل عدم الانشغال بالأهمّ. أمّا مجرّد وجود حكم بالأهمّ يعصيه المكلّف، فهذا لا يوجب صدق قوله: ﴿لَمْ تَجِدُوا مَاءً﴾ بمعنى: لَم تتمكّنوا من الوضوء. وقد ذكرنا فيما سبق: أنّ القدرة الشرعيّة إذا كانت بمعنى عدم الاشتغال بالأهمّ أو المساوي، لا بمعنى عدم المانع الشرعيّ لم يوجب أخذها في موضوع الحكم بطلان الترتّب.
وثالثاً: لو سلّمنا أنّ وجوب الوضوء مشروط بالقدرة الشرعيّة، بمعنى عدم المانع الشرعيّ، بدعوى: أنّ هذا هو المستفاد من آية ﴿فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً﴾ قلنا: إنّ الوضوء كما أنّه مأمورٌ به بأمر وجوبيّ مقدّميّ، كذلك هو مأمورٌ به بأمر استحبابيّ نفسيّ، ولا دليل على أخذ القدرة الشرعيّة بذاك المعنى في استحبابه؛ إذ دليل الأمر الاستحبابيّ يكون من قبيل قوله: «الوضوء على الوضوء نور على نور» أو قوله: ﴿يُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ﴾ ممّا لم يؤخذ في لسانه قيد عدم الوجدان. فليتمّ في المقام الأمر الترتّبيّ الاستحبابيّ وبه يصحّ الوضوء.
هذا كلّه إذا كان عصيان الأهمّ يتمّ بنفس الوضوء. أمّا إذا كان الوضوء في طول معصية الأهمّ زماناً، كما لو صبّ الماء على العضو، فاستحال حفظ النفس المحترمة به، فأرجع الماء بيده إلى أعلى بنيّة الوضوء، فلا إشكال في صحّته، وهو خارج عن محلّ البحث كما هو واضح.
الثاني: ما لو كان الوضوء حراماً لكونه غصباً للماء مثلا، أو مضرّاً بضرر موجب للحرمة، وفي ذلك لا يصحّ الترتّب؛ لأنّ الوضوء بذاته أصبح حراماً، فلا يعقل أن