المولفات

المؤلفات > تزكية النفس من منظور الثقلين (8) محــاســبة النفس (1)

4

2 ـ ما عن إبراهيم بن عمر اليماني، عن أبي الحسن الماضي (عليه السلام) (1) قال: «ليس منّا من لم يحاسب نفسه في كلّ يوم، فإن عمل حسناً استزاد الله، وإن عمل سيّئاً استغفر الله منه وتاب إليه»(2).

3 ـ ما رُوِيَ عن رسول الله (صلى الله عليه و آله): أنّه قال لأبي ذرّ: «يا أبا ذرّ حاسب نفسك قبل أن تحاسَب، فإنّه أهون لحسابك غداً، وزِن نفسك قبل أن توزن، وتجهّز للعرض الأكبر يوم تعرض لا تخفى على الله خافية... يا أبا ذرّ لا يكون الرجل من المتّقين حتى يحاسب نفسه أشدّ من محاسبة الشريك لشريكه، فيعلم من أين مطعمه، ومن أين مشربه، ومن أين ملبسه، أمن حلال أم من حرام؟ يا أبا ذرّ من لم يبال من أين اكتسب المال لم يبال الله من أين أدخله النار»(3).

وقد ورد في هذا الحديث الأمر بعناوين ثلاثة: محاسبة النفس قبل أن تحاسَب، ووزن النفس قبل أن توزن، والتجهّز للعرض الأكبر الذي سوف يكون في الآخرة على من لا تخفى عليه خافية.

وهذه العناوين الثلاثة وإن كانت مترابطة، ولكن الظاهر وجود فَرق بينها، فكأنّ المقصود بالمحاسبة: محاسبة ما صدرت عن النفس من الأعمال؛ لكي يعرف الخير منها من الشرّ. والمقصود بالموازنة: الموازنة بين واقع ما وصلت إليه النفس من المستوى في هذا الحين، وما ينبغي أن تصل إليه؛ كي يعرف مدى ماهو عليه من النقص. والمقصود بالتجهّز للعرض الأكبر: ما ينبغي أن يكون نتيجة المحاسبة والموازنة من تدارك ما فات وإكمال النقائص.

والمحاسبة من أشدّ الأُمور على النفس، ومنشأ الشدّة واضح، وهو: وحدة المحاسِب والمحاسَب، فمن السهل أن يحاسب شخص شخصاً، ولكن إذا اتّحد المحاسِب والمحاسَب يصعب حصول المحاسبة؛ ولذا ترى أنّ من يوفّق من المؤمنين للمحاسبة قليلون، وهم من خلّص العباد.

صحيح أنّنا نقول: إنّ العقل يحاسب النفس، والعقل غير النفس، ولكنّ الواقع: أنّ المغايرة بين العقل والنفس إن هي إلّا أمراً تحليليّاً بحتاً، أمّا بحسب الوجود الخارجي فالنفس في وحدتها كلّ القوى، فواقع الأمر: أن النفس هي تحاسب نفسها، فكيف يمكن ذلك؟!


(1) الظاهر: أنّ المقصود موسى بن جعفر.
(2) الوسائل 16/95، الباب 96 من جهاد النفس، الحديث 1.
(3) نفس المصدر السابق: ص98، الحديث 7.