المولفات

المؤلفات > تزكية النفس من منظور الثقلين (7) التّوبة والأنابة (1)

4

ولئن تنازلنا عن ذلك فإنّني كنت أتمنّى أن يكون بدء عملنا من الصفر، ومن صفحة بيضاء خالية عن الذنوب وعن الكمالات العرفانيّة.

ولكن الذي يحرق القلب ويدمي الفؤاد ويُبكي العين أن بدء عملنا في الأعمّ الأغلب لابدّ أن يكون من تحت الصفر، أي: يجب علينا ان نبدأ بغَسل الصفحة السوداء في قلوبنا بماء التوبة؛ لأنّنا تنزّلنا وتدهورنا عن حدّ الاعتدال الفطري بسبب المعاصي والذنوب، فالآن يجب علينا ان نبدأ بإزالة ماهو ضدّ الكمال لابصعود مدارج الكمال من ارض معتدلة وقلب صاف، ولكنّ الذي يسلّينا عن هذه المصيبة أنّنا لسنا وحدنا هكذا نمشي في الطريق، بل يمشي أمامنا في طريق التوبة المعصومون، وأنا أفهم أنّ هذا الكلام الذي قلته ليس منطقيّاً؛ لأن توبتهم (عليهم السلام) تختلف سنخاً عن توبتنا. لأنّ ذنوبهم تختلف سنخاً عن ذنوبنا؛ وذلك بدليل العصمة، ولكن نبرّد أنفسنا بمجرد التشارك في الاسم، ونقول: يا ربّنا كيف لاتقبل توبتنا ونحن قافلة عظيمة أتيناك تائبين، وأمامنا في الطريق أنبياؤك المرسلون والأئمة المعصومون وأنت أكرم من أن تقبل توبة صدر القافلة وتوردهم مناهلك الرويّة ثُمّ تسدّ باب القبول على الذيول الوافدة التابعة لاؤلئك المقربين في سلوك الطريق.

فهذا نبيّ الله داود وهو معصوم عن الذنب بالمعنى الذي نفهمه من الذنب المألوف لدى غير المعصومين ولكن لهجته في التوبة عين لهجتنا حيث قال الله تعالى: ﴿... وظنّ داود أنما فتنّاه فاستغفر ربّه وخرّ راكعاً وأناب﴾(1) و وهذا زين العابدين وسيد الساجدين يقول ـ على ما ورد في مناجاة التائبين(2) ـ: «إلهي إن كان الندم على الذنب توبة فإنّي وعزّتك من النادمين، وإن كان الاستغفار من الخطيئة حِطّة فإنّي لك من المستغفرين، لك العتبى حتى ترضى...» ويقول ـأيضاًـ فيما رواه طاووس الفقيه(3) ـ: «وعزّتك وجلالك ما أردت بمعصيتك مخالفتك، وما عصيت إذ عصيتك وأنا بك شاكّ ولا بنكالك جاهل ولا لعقوبتك متعرّض، ولكن سوّلت لي نفسي وأعانني على ذلك سترك المرخى به عليّ، فالآن من عذابك من يستنقذني؟ وبحبل من أعتصم إن قطعت حبلك عنّي؟ فوا سوأتاه غداً من الوقوف بين يديك إذا قيل للمخفّين: جوزوا، وللمثقلين حطّوا، أمع المخفّين أجوز؟ أم مع المثقلين أحطّ...».


(1) السورة 38، ص، الآية: 24.
(2) المناجاة الأُولى من المناجيات الخمس عشرة المعروفة.
(3) البحار 46/81.