المولفات

المؤلفات > تزكية النفس من منظور الثقلين (5) ثوب التّقوى وحقيقته

2

ثمّ قلْ لي: ما معنى ما قد يتراءى في بادئ الأمر من القسوة على نبيّ من الأنبياء في قوله تعالى: ﴿فلولا أنه كان من المسبّحين* للبث في بطنه الى يوم يبعثون﴾(1). فالله الذي هو أرحم الراحمين، ويغفر الكبائر لأصحاب الكبائر والجرائم لأصحاب الجرائم لمن يشاء ما لم يكن شركاً، بل وحتى الشرك للتائب ما معنى قسوته على نبيّ صدر منه الغضب لله على الأُمّة الكافرة، فدعا عليهم، فيؤدّبه على هذا العمل الذي يكون أشدّ تعبير عنه هو أن نفترضه تركاً للأولى، ويكون التعبير اللطيف عنه هو أن ندخله تحت عنوان حسنات الأبرار سيّئات المقربين، ويكون تأديبه بسجنه في بطن الحوت، ثُمّ يقسو عليه لولا كونه من المسبّحين بفرض اللبث في هذا السجن إِلى يوم يبعثون؟!

ثم قلْ لي: ما معنى بكاء إمامنا أمير المؤمنين (عليه السلام) على ذنوبه، وبثّه وشكواه وقوله: «إلهي أفكّر في عفوك فتهون عليّ خطيئتي، ثُمّ أذكر العظيم من أخذك فتعظم عليّ بليّتي...» إِلى أن أنعم في البكاء، فلم يسمع أبو الدرداء له حساً ولا حركةً، قال: «... فأتيته فإذا هو كالخشبة الملقاة، فحرّكته فلم يتحرك، وزويته فلم ينزو، فقلت: إنّا لله وإنا إليه راجعون، مات والله علي بن أبي طالب، فأتيت منزله مبادراً أنعاه إليهم، فقالت فاطمة (عليها السلام): يا أبا الدرداء ما كان من شأنه ومن قِصّته؟ فأخبرتها الخبر، فقالت: هي والله يا أبا الدرداء الغشية التي تأخذه من خشية الله...»(2). أفهل كان عليّ بن أبي طالب صلوات الله عليه يُحتَمل بشأنه التورّط في الذنوب بالمعنى الذي نحن نفهمه للذنب: من كذب أو نميمة أو سرقة أو ما إِلى ذلك؟!!

ثُمّ قلْ لي بالله عليك: ماهي خطايا إمامنا زين العابدين وسيد الساجدين (عليه السلام) التي كان يقول عنها: «ويلي كلما طال عُمُرِي كثرت خطاياي ولم أتب أما آن لي أن أستحي من ربي...» إِلى أن قال طاووس: «ثُمّ خرّ إِلى الأرض ساجداً، فدنوت منه، وشلت برأسه، ووضعته على ركبتي، وبكيت حتى جرت دموعي على خدّه، فاستوى جالساً وقال: من ذا الذي أشغلني عن ذكر ربي؟! فقلت: أنا طاووس يابن رسول الله، ما هذا الجزع والفزع؟! ونحن يلزمنا أن نفعل مثل هذا، ونحن عاصون جانون، أبوك الحسين بن علي، وأُمّك فاطمة الزهراء، وجدّك رسول الله (صلى الله عليه و آله)؟! قال: فالتفت إليَّ وقال: هيهات هيهات يا طاووس دَعْ عنّي حديث أبي وجدّي، خلق الله الجنّة لمن أطاعه وأحسن ولو كان عبداً حبشيّاً، وخلق النار لمن عصاه ولو كان ولداً قرشيّاً، أما سمعت قوله تعالى: ﴿فاذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم يؤمئذ ولا يتساءلون﴾(3) والله لا ينفعك غداً إلّا تقدمة تقدّمها من عمل صالح»(4).


(1) السورة 37، الصافات، الآيتان: 143 ـ 144.
(2) البحار 41/12.
(3) السورة 23، المؤمنون، الآية: 101.
(4) البحار 46/81 ـ 82.