2 ـ ما معنى بكاء المعصومين، ومناجاتهم الطويلة، ودموعهم الغزيرة، وغشيتهم أمام عظمة الربّ، هل كانوا يحتملون بأنفسهم التورط في المعاصي الإلهيّة، أم هل تورّطوا بالفعل فيها وهم معصومون؟! وهل يمكن فرض كلّ القضايا التي نقلت عنهم بهذا الصدد تصنّعاً منهم وتظاهراً كاذباً بهدف تعليمنا، وكان بكاؤهم أمراً صورياً لا عن حرقة قلب وما إِلى ذلك؟! كلاّ هذا لا يحتمل.
والجواب أحد أمرين أو كلاهما:
إمّا أنّ كلَّ هذا كان ندماً وتوبةً إِلى الله عمّا عبّرنا عنه بحسنات الأبرار سيئات المقربين(1). وإمّا أنّ عظمة الرب وجلاله وجماله كانت تؤدّي إِلى هكذا إنهيار وهكذا إظهار وهكذا تذلّل، مَثله الدنيوي ما يُرى من قبل العشّاق التافهين الذين يعشقون بعض المخلوقين أو المخلوقات من التذلّل وإبراز التقصير أمام معشوقهم أو معشوقتهم والتذاذهم بذلك وانهيارهم أمامه أو أمامها، فما ظنّك بالعشق الحقيقي من قبل العبد الذائب في ذات الله أمام من لا يستحقّ الحبّ الحقيقي والتفاني الكامل فيه إلّا هو، ألا وهو الله سبحانه وتعالى؟! ولقد ورد بشأن رسول الله (صلى الله عليه و آله) أنّه كان يبكي حتى يغشى عليه، فقيل له: «... يا رسول الله أليس الله ـعزّوجلّ ـ قد غفر لك ما تقدّم من ذنبك وما تأخّر؟! قال: بلى، أفلا أكون عبداً شكوراً»(2).
3 ـ ما معنى ما يترأى في بادئ الأمر من القسوة على بعض الرسل من قبيل ما مضت الإشارة اليه من قوله سبحانه وتعالى: ﴿فلولا أنه كان من المسبّحين* للبث في بطنه إِلى يوم يبعثون﴾(3) فلئن كان الله ـ تعالى ـ يغفر لأصحاب الكبائر كبائرهم ولأصحاب الجرائم جرائمهم ما معنى فرض السجن في بطن الحوت على نبيّ من أنبيائه لما صدر منه من ترك أولى، أو من حسنة كانت بلحاظ مقامه الكريم من سيئات المقربين؟! وما معنى قوله سبحانه وتعالى: ﴿وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك لتفتري علينا غيره وإذاً لاتخذوك خليلاً* ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئاً قليلاً* اذاً لاذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ثم لا تجد لك علينا نصيراً﴾(4) فهل يُحتَمل بشأن رسول الله (صلى الله عليه و آله) أنه كاد أن يركن إِلى المشركين شيئاً قليلاً فيما كانوا يريدونه من الافتراء على الله؟! كلاّ.