وعلى أيّة حال، فالإسلام كالقرآن يكون له ظهر وبطن، أو جسم وروح، أو قشر ولبّ، أو وجه وبطانة، أو سَدى ولُحمة، وقشره يتلألأ نوراً، ويُري باطنه الذي يفوق القشر صفاءً وجلاءً وعظمةً وجمالاً، ولقد أُمرتْ عامة الناس بأقلّ المقدار الممكن، والذي يكون هو الحدّ الذي حُكِم عليه في الفقه بالإجزاء، ولم يُؤمَروا أمراً وجوبياً بأكثر من ذلك؛ لأنّه كان يؤدّي إِلى عدم تحمّل العامّة الكاثرة لما وجب عليهم وإِلى ضلالهم وسوء عاقبتهم، وبقي الباقي لأهله، وهم مختلفون في المراتب والدرجات.
وبهذا النمط من الفهم للإسلام تنحلّ عدة ألغاز ومشكلات من قبيل:
1 ـ ما معنى ما ورد في الكافي بسند تام عن الصادق (عليه السلام) من أنّ رسول الله (صلى الله عليه و آله) كان يتوب إِلى الله في كلّ يوم سبعين مرّة(1)؟! وبسند آخر تام عنه أيضاً: «... أنّ رسول الله (صلى الله عليه و آله) كان يتوب إِلى الله ويستغفره في كل يوم وليلة مئة مرّة من غير ذنب...»(2).
وقد اتَّضح الجواب عن ذلك: بأنّ توبة المعصومين واستغفارهم يكونان ممّا يسمّى بحسنات الأبرار سيئات المقربين، فحينما يرتقون في صفاء النفس من مرتبة إِلى مرتبة أعلى يستغفرون ربهم عن المرتبة السابقة الدنيا، أو حينما يحصل لديهم أقلّ غبار على القلب عن بعض مراتب الصفاء ولو لحظة يتوبون إِلى الله من ذلك. وقد ورد في طرق السُنّة عن الرسول (صلى الله عليه و آله) أنّه قال: «إنّه ليغان على قلبي حتى استغفر الله تعالى في اليوم والليلة سبعين مرة»(3) وقد يصدر منهم ما لو صدر منّا لكان حسنة عظيمة، ولكنّهم سلام الله عليهم يستغفرون الله منه؛ لأنّ المفروض المناسب لمقامهم الشامخ أن يصدر منهم ماهو أفضل من ذلك، وقد قال الله ـتعالىـ مخاطباً لرسوله (صلى الله عليه و آله): ﴿عفا الله عنك لِمَ أذِنت لهم حتى يتبيّن لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين﴾(4) فلو كان قد صدر منّا الإذن عن الحرب لبعض المسلمين الضعفآء الإيمان لجلبهم وعدم تنفيرهم من الإسلام، فلعلّنا كنّا نمدح بذلك، ولكنّه كان المفروض بالرسول الأعظم (صلى الله عليه و آله) أن يتّخذ ماهو أوفق بالمصلحة من الإذن على رغم أنّ الإذن ـ أيضاً ـ كان من الخُلُق العظيم.