المولفات

المؤلفات > تزكية النفس من منظور الثقلين (3) علائم فاضحة

7

وقال أيضاً في ص379 (أي من كتاب تلبيس إبليس) «وحكى أبو حامد الغزالي عن ابن الكريني: أنّه قال: نزلت في محلّة فعرفت فيه بالصلاح، فدخلت في الحمّام، وغيّبت عليَّ ثياباً فاخرة، فسرقتها ولبستها، ثُمّ لبست مرقعتي فوقها، فخرجتُ فجعلتُ أمشي قليلاً قليلاً، فلحقوني فنزعوا مرقعتي، وأخذوا الثياب، وصفّعوني، فصرت بعد ذلك اُعرف بلصّ الحمام، فسكنت نفسي. قال أبو حامد: فهكذا كانوا يروّضون أنفسهم حتى يخلّصهم الله من النظر إِلى الخلق، ثُمّ من النظر إِلى النفس وأرباب الأحوال، ربما عالجوا أنفسهم بما لا يفتي به الفقيه(1)مهما رأوا صلاح قلوبهم، ثُمّ يتداركون ما فرط منهم من صورة التقصير كما فعل هذا في الحمام.

قلت. يعني ابن الجوزي ): سبحان من أخرج أبا حامد من دائرة الفقه بتصنيفه كتاب الإحياء، فليته لم يحك فيه مثل هذا الذي لا يحل، والعجب أنّه يحكيه ويستحسنه، ويسمّي أصحابه أرباب الأحوال، وأيّ حالة أقبح وأشدّ من حال من يخالف الشرع، ويرى المصلحة في المنهيّ عنه وكيف يجوز أن يطلب صلاح القلوب بفعل المعاصي، أوَقد عدم في الشريعة ما يصلح قلبه حتى يستعمل ما لا يحلّ فيها؟! وكيف يحل للمسلم أن يعرّض نفسه لأن يقال عنه: سارق؟! وهل يجوز أن يقصد وهن دينه ومحو ذلك عند شهداء الله في الأرض؟! ثُمّ كيف يجوز التصرف في مال الغير بغير إذنه؟! ثُمّ في نصّ مذهب أحمد والشافعي: أن من سرق في الحمّام ثياباً عليها حافظ وجب قطع يده، فعجبي من هذا الفقيه المستلب عنه الفقه بالتصوّف أكثر من تعجّبي من هذا المستلب الثياب» انتهى.

2 ـ دعوى ما يكذّبه الوجدان، وهو الضمير الذي أنعم الله ـ تعالى ـ به على الإنسان والذي لا يخطأ، والمفروض بالعرفان الصادق أن يذكي الضمير ويجلّيه، وينفض عنه الغبار، لا أن يعكّر صفاءه، ويسمّم أجواءه، وإن شئت فأدخل هذا البند فيما سيأتي إن شاء الله من قسم الخرافات، كقول من يقول: يصل السالك إِلى مقام لا يعرف إلّا ربّه، بل الربّ هو الذي يعرف نفسه(2).

وهذا الكلام له أحد منشأين: فإمّا أنّ صاحبه يعتقد بوحدة الوجود، بمعنى: إنكار أي وجود آخر غير وجود الله حتى الوجود التعلقي.


(1) يناسب المقام هذا البيت: من ديوان حافظ، حرف اللام:حلاّج بر سردار اين نكته خوش سرايد *** از شافعى نپرسند امثال اين مسائل
(2) راجع لبّ اللباب: 162.