المولفات

المؤلفات > تزكية النفس من منظور الثقلين (3) علائم فاضحة

2

فأجاب الحداد: أنّ ذلك راجع إِلى الارتباط الوثيق الثابت فيما بين موجودات العالم، وبما أنّ هذا المرتاض وصل عن طريق الرياضة إِلى مستوى كشف وحدة النظام الحاكم على العالم، أصبح باستطاعته الإخبار بواسطة أيّ حركة أو سكون ولو كان بشكل لا تُرى له أهميّة عن جميع التغييرات والتبديلات والحركات والسكنات في العالم. وكما أنّ هذا المرتاض الهندي ارتبط بواسطة الرياضات النفسانيّة بالروح الكلّية للبقر فاستطاع أن يرتبط بذاك النظام الواحد عن طريق أرواح البقر، فأصبح يخبر عن الرموز الخفيّة بواسطة شبكة البقر، كذلك بإمكان أحد أن يصل إِلى نفس المستوى بعبادته للطير أو الهِرّ أو النجوم أو الشمس أو القمر وبالرياضة النفسانيّة التي توصله إِلى النفوس الكلّية لأحد هذه الأمور أو غيرها، فيستدل ـ عنذئذ ـ عن طريق ذلك الشيء الذي فنى فيه على ما يحكمه ذاك النظام الوحداني. ولكن بما أنّ الإنسان أشرف المخلوقات لا ينبغي له أن يفني نفسه في نفوس أنزل من نفسه أو فيما يساوي نفسه، فإنّ هذا الفناء مستلزم لسقوط الإنسان وانحطاطه عن درجة الإنسانيّة؛ ولهذا منع الإسلام عن عبادة البقر والنجم والحجر والملائكة والأجنّة وعبادة إنسان آخر وما إِلى ذلك. أضف إِلى ذلك أنّ الفناء في هذه المعبودات ـ غير الله سبحانه وتعالى ـ لا يوصل الإنسان في التجرد والعلم والإحاطة إِلى أكثر من النفوس الحيوانيّة أو الفلكيّة أو الجماديّة، ولا يصل الشخص عن هذه الطرق إِلى مستوى العلوم التوحيديّة والإلهية. أما من يفنى في ذات الله فتصبح علومه علوماً كلّيّة بتمام معنى الكلمة، وتجرّده تجرّداً غير متناه، ويصل إِلى حقائق التوحيد والعرفان انتهى الكلام ملخّصاً.

ومن الطريف أن ما جاء في كلام الحدّاد هنا ـ إن صحّ نقل مصنف كتاب (روح مجرد) ـ من مسألة الارتباط بالنفوس الكلّية للبقر أو الطير أو النجوم أو ما إِلى ذلك يذكّرنا بعقليّة الكلّيّ الهمداني.