المولفات

المؤلفات > تزكية النفس من منظور الثقلين (2)

8

ومَن أزهد من هؤلاء؟! وقد قال فيهم رسول الله (صلى الله عليه و آله) ما قال ولم يبلغ من أمرهما أن صارا لا يملكان شيئاً البتّة كما تأمرون الناس بإلقاء أمتعتهم وشيئهم، ويؤثرون به على أنفسهم وعيالاتهم.

واعلموا أيّها النفر أنّي سمعت أبي يروي عن آبائه: أنّ رسول الله (صلى الله عليه و آله) قال يوماً: ما عجبت من شيء كعجبي من المؤمن إنّه إن قُرِّض جسده في دار الدنيا بالمقاريض كان خيراً له، وإن ملك ما بين مشارق الأرض ومغاربها كان خيراً له، فكلّ ما يصنع الله به فهو خير له، فليت شعري هل يحيق(1) فيكم اليوم ما قد شرحت لكم أم أزيدكم ؟

أوما علمتم أنّ الله ـ جلّ اسمه ـ فرض على المؤمنين في أوّل الأمر أن يقاتل الرجل منهم عشرة من المشركين ليس له أن يولّي وجهه عنهم، ومن ولاّهم ـ يومئذ ـدبره فقد تبوّأ مقعده من النار، ثمَّ حوّلهم من حالهم رحمة منه لهم فصار الرجل منهم عليه أن يقاتل الرجلين من المشركين تخفيفاً من الله عن المؤمنين، فنسخ الرجلان العشرة.

وأخبروني ـ أيضاً ـ عن القضاة أجورٌ منهم حيث يفرضون على الرجل منكم نفقة امرأته إذا قال: أنا زاهد، وأنّه لا شيء لي؟ فإن قلتم: جور ظلمتم أهل الإسلام، وإن قلتم: بل عَدل، خصمتم أنفسكم. وحيث يردّون صدقة مَنْ تصدّق على المساكين عند الموت بأكثر من الثلث.

أخبروني لو كان الناس كلّهم كما تريدون زهّاداً لا حاجة لهم في متاع غيرهم فعلى مَنْ كان يتصدّق بكفّارات الأيمان والنذور والصدقات من فرض الزكاة من الإبل والغنم والبقر، وغير ذلك من الذهب والفضّة والنخل والزبيب وسائر ما قد وجبت فيه الزكاة إذا كان الأمر على ما تقولون لا ينبغي لأحد أن يحبس شيئاً من عرض الدنيا إلّا قدّمه وإن كان به خصاصة؟ فبئس ما ذهبتم إليه وحملتم الناس عليه من الجهل بكتاب الله وسنّة نبيّه وأحاديثه التي يصدّقها الكتاب المنزل، وردّكم إياها بجهالتكم وترككم النظر في غرائب القرآن من التفسير بالناسخ من المنسوخ والمحكم والمتشابه والأمر والنهي.


(1) فسّر تحت الخط بمعنى: هل يؤثّر وينفذ فيكم هذا المقدار.