المولفات

المؤلفات > تزكية النفس من منظور الثقلين (2)

13

أقول: كأنّ الأولى وهي: المحافظة على الصلاة وفي مواقيتها تنظر إِلى جانب ترقيق حجاب سُمك المادة ـ والثانية وهي: المواساة تنظر إِلى جانب كسر ضيق أُفق النفس وتمحوره على مصالح نفسه دون الآخرين.

وقد ورد في كلمات أهل العرفان الكاذب: أنّه لابدّ للسالك أن يذبح نفسه كي يصل إِلى المقصود، ولا يقدر أحد على ذبح نفسه؛ لأنّه يتحرك على أيّ حال عن التذاذ نفسه وحبّه لنفسه، وحتى حينما يريد أن يصل إِلى مرحلة الفناء في الله إنّما يريد ذلك ليكمّل نفسه بذلك. إذن فالعلاج في تحقق الذبح هو: أن يذبحه غيره على خلاف رغبته وطلبه(1).

ومن القصص التي يذكرها هؤلاء ما يلي:

جاء في كتاب روح مجرد(2): أن الحاج محمّد رضا كان له مقام علمي، وله تأليفات كثيرة، وكان يسكن بروجرد، واتَّهمه البروجرديون بالتصوّف، وصادروا أمواله، وأخرجوه من بروجرد، فذهب إِلى تبريز، وأصبح محبوباً لدى أهل تبريز، وكان يجتمع تحت خطابه خلق كثير، وفي أحد الأيام كان جميع الناس ملتفّين حول منبره لسماع خطابه، وكانت للتجمع منظرة عظيمة، فخطر في نفسه: أنّ هذا التوجه والالتفات من قبل التبارزة عوض من الأذايا والمحن التي شاهدها من البروجرديين، وإذا بدرويش دخل واتَّجه رأساً نحو المنبر، وناجاه في أُذنه بكلام، وكأنّه كان ذاك الكلام: (هل أفعل ما يجب أن أفعل؟) فقال له الحاج محمّد رضا: نعم، فأخذ الدرويش عمامة الحاج محمّد رضا، ولفّها حول عنقه، وجرّه من على المنبر، وأخرجه من المسجد تلافياً لهذا الخطور النفساني. وهذا الدرويش كان قد أرسله من دَكن ـ الذيهو من بلاد الهند ـ أُستاذ الحاج محمّد رضا المدعو: السيد علي رضا الدكني قائلاً له: اذهب فوراً إِلى تبريز، فإنّ وليّاً من أولياء الله كاد أن يهلك، فعليك بإنقاذه. وبهذا الأُسلوب نجا الحاج محمّد رضا من الهلاك.

أقول: لو صحّت هذه الكلمات ولم تكن دجلاً فعليك بالمقايسة بين هذا الأُسلوب وأُسلوب تربية الإسلام الذي يعالج في وقت واحد حجاب سُمك المادّة وضيق النفس الموجب لدورانها حول ذاتها، فيهيئ الإنسان لتضحية نفسه بنفسه، لا لذبح شخص آخر له على رغم رغبته وارادته. وإليك بعض الأمثلة:


(1) راجع كتاب روح مجرد: 591.
(2) المصدر السابق: ص362 تحت الخط.