المولفات

المؤلفات > تزكية النفس من منظور الثقلين (1)

9

3 ـ رُوي(1): أنّ رجلاً جاء إِلى رسول الله (صلى الله عليه و آله) وقال: علّمني ممّا علّمك الله، فأودعه الرسول إِلى رجل من أصحابه كي يعلّمه القرآن، فعلّمه سورة الزلزلة.. إِلى قوله تعالى: ﴿فمن يعمل مثقال ذرّة خيراً يره* ومن يعمل مثقال ذرّة شرّاً يره﴾(2)

فقام الرجل وقال: حسبي هذا، فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله): «رجع فقيهاً».

ويناسب هنا أن نتذكّر كلام إمامنا أمير المؤمنين (عليه السلام) في وصف المتّقين: «...أمّا الليل فصافّون أقدامهم تالين لأجزاء القرآن، يرتّلونه ترتيلاً، يحزّنون به أنفسهم، ويستثيرون به دواء دائهم، فإذا مرّوا بآية فيها تشويق ركنوا إليها طمعاً، وتطلّعت نفوسهم إليها شوقاً، وظنّوا أنّها نصب أعينهم، وإذا مرّوا بآية فيها تخويف أصغوا إليها مسامع قلوبهم، وظنّوا أنّ زفير جهنّم وشهيقها في أُصول آذانهم...».

نعم، إنّ القرآن شفاء ورحمة للمؤمنين، ولكنّه في نفس الوقت لا يزيد الظالمين إلّا خساراً، كما هو معروف بشأن الخوارج الذين كانوا تالين للكتاب. وقد روي أنّه خرج أمير المؤمنين (عليه السلام) ذات ليلة من مسجد الكوفة متوجهاً إِلى داره، وقد مضى ربع من الليل ومعه كميل بن زياد (رحمه الله)، وكان من خيار شيعته ومحبيه، فوصل في الطريق إِلى باب رجل يتلو القرآن في ذلك الوقت، ويقرأ قوله تعالى: ﴿أمّن هو قانت آناء الليل...﴾(3) بصوت شجيّ حزين، فاستحسن كميل ذلك في باطنه، وأعجبه حال الرجل من غير أن يقول شيئاً، فالتفت صلوات الله عليه إليه وقال: «يا كميل لا تعجبك طنطنة الرجل، إنّه من أهل النار، وساُنبّؤك فيما بعد» فتحيّر كميل لمكاشفته له على ما في باطنه، ولشهادته بدخوله النار مع كونه في هذا الأمر وتلك الحالة الحسنة. ومضت مدّة متطاولة إِلى أن آل حال الخوارج إِلى ما آل، وقاتلهم أمير المؤمنين (عليه السلام)، وكانوا يحفظون القرآن كما أُنزل، فالتفت أمير المؤمنين (عليه السلام) إِلى كميل بن زياد وهو واقف بين يديه والسيف في يده يقطر دماً، ورؤوس أُولئك الكفرة الفجرة محلّقة على الأرض، فوضع رأس السيف على رأس من تلك الرؤوس وقال: يا كميل: ﴿أمّن هو قانت...﴾، أي: هو ذاك الشخص الذي كان يقرأ القرآن في تلك الليلة، فأعجبك حاله، فقبّل كميل قدميه (عليه السلام) واستغفر الله(4).


(1) التفسير الأمثل 27: 231 ـ 232.
(2) السورة 99، الزلزلة، الآية:. - 8.
(3) السورة 39، الزمر، الآية: 9.
(4) سفينة البحار 7: 538، والبحار 33/399.