المولفات

المؤلفات > تزكية النفس من منظور الثقلين (1)

11

وقد ورد ـ أيضاً ـ أنّ عليّاً (عليه السلام) كان في صلاته يستغرق في الله إِلى حدّ اُستخرج السهم من رجله في حال الصلاة فلم يلتفت(1). وقد روى الفيض الكاشاني (رحمه الله) في المحجة: أنّ مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) وقع في رجله نصل، فلم يمكّن من إخراجه، فقالت فاطمة (عليها السلام): أخرجوه في حال صلاته، فإنه لا يحسّ بما يجري عليه، فأُخرج وهو (عليه السلام) في صلاته(2).

ومن هنا قيل: إنّه اُعترض على بعض الخطباء ـ وقيل: إنّه ابن الجوزي ـ بأنّ عليّاً (عليه السلام) مع استغراقه الكامل في ذات الله لدى الصلاة كيف التفت إِلى السائل وأعطاه خاتمه؟!

فأجاب الخطيب بالبداهة بقراءة هذين البيتين:

يسقي ويشربُ لا تُلْهِيهِ سكرتُه
عـن الـنـديـمِ ولا يلهو عن الكاسِ
أطـاعـه سُكرُهُ حتى تمكَّنَ من
فعلِ الصُحاة فهذا أفضلُ الناسِ(3)

وكأن المقصود: أنّ عمل الالتفات إِلى السائل والتصدِّق عليه كان عبادة. فالالتفات إِلى ذلك في أثناء الصلاة كان ـ أيضاً ـ التفاتاً إِلى الله؛ ولهذا لم يصبح استغراقه في ذات الله مانعاً عن ذلك، ولم يكن هذا الالتفات التفاتاً إِلى النفس كما في فرض الالتفات إِلى إخراج السهم ـ مثلاً ـ حتى يكون نسيانه لذاته في الصلاة مانعاً عن ذلك.

وقد ورد في وصايا رسول الله (صلى الله عليه و آله) لأبي ذرّ: «يا أبا ذرّ رَكْعتان مقتصدتان في تفكّر خيرٌ من قيام ليلة والقلبُ ساه»(4).

وروي عن رسول الله (صلى الله عليه و آله): أنّه رأى رجلاً يعبث بلحيته في صلاته فقال: «أما انه لو خشع قلبهُ لخشعت جوارحُه»(5).

وعن النبيّ (صلى الله عليه و آله): «إذا قام العبد إِلى صلاته وكان هواه وقلبه إِلى الله انصرف كيوم ولدته أُمّه»(6).


(1) الأمثل 4: 50، وأنوار المواهب للشيخ النهاوندي: 160.
(2) المحجة البيضاء 1: 397 ـ 398.
(3) أنوار المواهب: 160 ـ 161.
(4) البحار 77: 82.
(5) مجمع البيان مج4: 7: 176، في ذيل تفسير قوله تعالى: (الذين هم في صلاتهم خاشعون) السورة 23، المؤمنون، الآية: 2.
(6) كتاب أسرار الصلاة للحاج ميرزا جواد الملكي: 127، ط الناشر مكتبة فرهومند.