المولفات

المؤلفات > أبحاث في بعض مسائل وفروع النكاح والطلاق أو الفسخ/الزواج الدائم من الكتابيّة

5

والثاني: أن يكون ـ على الأقلّ ـ بعد فتح خيبر وتسلّط المسلمين على أهل الكتاب، وقد أراد الله تعالى تخفيف الأزمة بين المسلمين وأهل الكتاب بعد الانتصار عليهم؛ كي يكون ذلك خيطاً بينهما قد يؤدّي بالتدريج إلى هدايتهم.

وبكلمة اُخرى: كأنّه لم يكن من الضروريّ بعد هيمنة الإسلام وانتصاره بقاء تلك المحدوديّات التي كانت قبل ذلك في المعاشرة بين المسلمين وأهل الكتاب(1).

وعلى كلا التقديرين فهذه الآية: ﴿وَالْمُـحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوْتُوا الْكِتَابَ...﴾ نزلت بعد آية ﴿وَلاَ تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ﴾ والتي عرفت ارتباطها بقصّة الحديبيّة، ولا يمكن أن تنسخ بها.

فلو لم يبعث كلّ ما ذكرناه بالاطمئنان بتأخّر نزول الآية الخامسة من المائدة عن آية سورة الممتحنة، فلا أقلّ ممّا أشرنا إليه من أنّ إطلاق ﴿الْكَوَافِرِ﴾ في آية الممتحنة لأهل الكتاب غير واضح، ومورد نزولها هي المشركات، فلم يثبت كون هذه الآية مرجّحة أو مرجعاً بعد تعارض الروايات في جواز نكاح الكتابيّات دائماً وعدمه. وتفسير ﴿الْكَوَافِرِ﴾ بما يشمل الكتابيّات بالرواية رجوع إلى أحد طرفيّ التعارض من السنّة، وليس رجوعاً إلى الكتاب.

وروايات الجواز لا شكّ أنّها أكثر وأقوى؛ لأنّ العمدة من الروايات المانعة هي الصحيحة الناطقة بناسخيّة آية النهي عن الإمساك بعِصَم الكوافر، وباقي الروايات قابلة للحمل على الكراهة في مقابل روايات الجواز. وأمّا روايات الجواز، فالصحاح منها ما مضى منّا نقلها، ويضاف إليها ما لم ننقلها من الروايات غير التامّة سنداً.

ولا أقلّ من أنّ لنا ترجيحَ روايات الجواز على روايات المنع بقاعدة التخيير بين الخبرين المتعارضين التي نقّحناها في علم الاُصول، فالنتيجة هي جواز النكاح الدائم بالكتابيّات، أعني: خصوص اليهوديّات والمسيحيّات دون المجوسيّات.

وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.

15. رجب. 1420 هـ


(1) راجع بهذا الصدد تفسير نمونه 4: 278 ـ 279.