المولفات

المؤلفات > أبحاث في بعض مسائل وفروع النكاح والطلاق أو الفسخ/الزواج الدائم من الكتابيّة

3

فالتأريخ ينقل: أنّ قوله عزّوجلّ: ﴿وَلاَ تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ﴾ نزلت في قصّة صلح الحديبيّة، ونحن نعلم أنّ قصّة صلح الحديبيّة وقعت في أواخر السنة السادسة من الهجرة.

وبحسب النقل التأريخي: أنّ امرأة مسلمة من مكّة جاءت إلى رسول الله (صلى الله عليه و آله)، فأرسل الكفّار من يردّها إلى مكّة على أثر بند من بنود ورقة الصلح يصرّح بإرجاع من يهرب من مكّة إلى المسلمين في المدينة، وعدم إرجاع من يهرب من المسلمين إلى مكّة، فنزلت الآية المباركة(1).

ومضمون الآية شاهد واضح على صدق هذا التأريخ، حيث قال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَات فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَات فَلاَ تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لاَ هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلاَ هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُم مَا أَنفَقُوا وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلاَ تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنفَقُوا ذلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ. وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ فَـآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُم مِّثْلَ مَا أَنفَقُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُم بِهِ مُؤْمِنُونَ﴾(2).

وأمّا الآية التي فُرضت منسوخةً بهذه الآية، فقد اختلفت التفاسير في وقت نزولها:

فهناك بعض روايات تقول: إنّ سورة المائدة والتي فيها هذه الآية نزلت في أواخر حياة رسول الله (صلى الله عليه و آله) (3).

وفي بعضها: نسخت ما قبلها، ولم ينسخها شيء(4).

وفي رواية صحيحة السند عن زرارة عن الباقر قال: سمعته يقول: «جمع عمر بن الخطاب أصحاب النبيّ (صلى الله عليه و آله) وفيهم عليّ وقال: ما تقولون في المسح على الخفّين؟ فقام المغيرة بن شعبة فقال: رأيت رسول الله (صلى الله عليه و آله) يمسح على الخفّين. فقال عليّ: قبل المائدة أو بعدها؟ فقال: لا أدري. فقال عليّ: سبق الكتاب الخفّين، إنّما اُنزلت المائدة قبل أن يقبض بشهرين أو ثلاثة»(5).

وروي عن عبيد عن محمّد بن كعب: أنّها نزلت كلّها في حجّة الوداع بين مكّة والمدينة(6).

ومن الطريف ما روي عن أبي حمزة الثمالي قال: سمعت أبا عبدالله يقول: «نزلت المائدة كمّلاً، ونزل معها سبعون ألف ملك»(7).

أقول: إن صحّ أنّه نزل معها سبعون ألف ملك فهذا باحترام آيتي الغدير، أعني قوله تعالى: ﴿الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ...﴾(8)، وقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبِّكَ...﴾(9)، ولا شكّ في نزول الآيتين في أيّام الغدير.


(1) راجع البحار 20: 337، وفروغ أبديّت 2: 602 نقلاً عن سيرة ابن هشام 2: 323.
(2) سورة الممتحنة، الآية: 10 ـ 11.
(3) راجع تفسير البرهان 1: 430.
(4) المصدر السابق.
(5) التهذيب 1: 361، الحديث 1091.
(6) تفسير المنار 6: 116.
(7) كنز الدقائق 4: 22.
(8) سورة المائدة، الآية: 3.
(9) سورة المائدة، الآية: 67.