المولفات

المؤلفات > مالكيّة الأعيان والجهات

7

وأمّا النصّ المنقول عن رسول الله (صلى الله عليه و آله) من قوله: «يسعى بذمّتهم أدناهم» فأيضاً ليس واضحاً في التفسير بفرض الشخصيّة المعنويّة للمسلمين، بل يمكن تفسيره بأنّ شخصيّة كلّ مسلم مهما تفترض دانية يجب على الآخرين مواساتها فيما أعطاها بالنيابة عن الكلّ من الأمان.

وإن شئت فقل: إنّ التفسير الذي فرضه الاُستاذ الزرقاء في المقام يعني في الحقيقة الالتزام بأمرين كلّ منهما في نفسه خلاف الأصل، أحدهما افتراض شخصيّة معنويّة للمسلمين، والثاني افتراض نيابة كلّ واحد منهم عن تلك الشخصيّة المعنويّة في إعطائه للأمان. بينما يكفي لتفسير هذا الالتزام بالأمر الثاني فقط وهو النيابة دون الأمر الأوّل وهو فرض الشخصيّة المعنويّة، وذلك بأن نفترض أنّ الإسلام أعطى لكلّ فرد من المسلمين في إعطاء الذمّة والأمان النيابة عن كلّ المسلمين من دون أن نفترض شخصيّة معنويّة للمسلمين يكون كلّ فرد نائباً عنها.

وأمـّا فرض رفع الدعوى في الحقوق العامّة وفي الحدود وما شابهها إلى القاضي فأيضاً ليس تفسيره منحصراً بما قال من افتراض شخصيّة معنويّة لمصلحة عامّة يمارس حقّ الادّعاء باسمها، فإنّ تلك الاُمور التي يرفع أحد المسلمين الدعوى بالنسبة لها إلى القاضي ـ رغم عدم علاقة شخصيّة بينها وبين المدّعي ـ تنقسم إلى قسمين:

الأوّل: حقوق عامّة للمسلمين يكون على الوالي المحافظة عليها والتفتيش عن حقيقة الحال عند الشكّ فيها، كما في حفظ أمن البلاد وراحة العباد، وهنا لا دليل على اعتبار رفع دعوى أحد على أحد لإخلاله بالأمن أو راحة الناس من دون أداء ذلك إلى ضرر بالمدّعي داخلا في باب المرافعة المألوفة في باب القضاء التي تدور مدار بيّنة المدّعي ويمين المنكر، وإنّما أثر رفع الدعوى هنا هو إيجاد احتمال الخلل بالأمن والراحة في ذهن الوالي، فيتمّ بالنسبة للوالي موضوع وجوب الفحص والتفتيش لحفظ أمن الناس وراحتهم.

والثاني: المعاصي الموجبة للحدّ أو التعزير كما في رفع دعوى الزنا أو اللواط على شخص، وهذا أيضاً لا دليل على إدخاله في باب المرافعة المألوفة التي يدور الأمر فيها على البيّنة والأيمان، بل هذا مجرّد إخبار للوالي بالأمر، فإن لم يقترن الإخبار بالبيّنة بالقدر المثبت لمدّعاه لم يطالب القاضي المدّعى عليه باليمين، ولم يثبت عليه شيء، بل قد يحدّ المدّعي حدّ القذف من دون توقّف ذلك على يمين المنكر.

وإن اقترن الإخبار للوالي بالبيّنة بالعدد الكافي لإثبات ذاك المدّعى تمّ بذلك ثبوت ما يوجب على القاضي إقامة الحدّ أو التعزير، وهذا ما يجب عليه بقطع النظر عن باب المرافعة والقضاء بين المترافعين، أي لو ثبت له ذلك من دون وجود مدّع في المقام كانت عليه أيضاً إقامة الحدّ أو التعزير، ولا علاقة لذلك بباب القضاء بالمعنى الخاصّ.