المولفات

المؤلفات > مالكيّة الأعيان والجهات

15

إذا عرفت ذلك جئنا الى ما نحن فيه فنقول: إنّ ثبوت شخصيّة حقوقيّة لشركة مّا حكم وضعي ولم يثبت كونه مرتبطاً نفياً وإثباتاً بمجرّد رضا أصحاب الشركة وعدمه أو رضا المجتمع وعدمه، إذن فلعلّ هذا حكم وضعيّ من سنخ الطهارة والنجاسة لا من سنخ صحّة البيع وبطلانه، وعليه فلو كانت الشخصيّة الحقوقيّة للشركة مثلا بحدّ ذاتها غير ثابتة في الشريعة لبطلان الوجه الأوّل والثاني الماضيين لتصحيحها فولاية الفقيه عاجزة عن تصحيحها، فإنّ ولاية الفقيه على المجتمع أو على أصحاب الشركة إنّما تدلّ على أنّه يحلّ محلّهم في التصرّف ويكون أولى بالتصرّف منهم، فلو كان أمر إيجاد الشخصيّة الحقوقيّة بيدهم ثبت بذلك أنّه من حقّه إيجادها بالولاية عليهم. أمّا إذا لم يكن ذلك بيدهم، وكانت الشخصيّة الحقوقيّة في ذاتها منتفية شرعاً فإيجاد الفقيه لها خروج على نظام الإسلام، وهذا غير صحيح، والشكّ في ذلك كاف في عدم الثبوت.

وبهذا بطل آخر وجه من وجوه تصحيح الشخصيّات الحقوقيّة الثابتة في الفقه الغربي بشكل عامّ، وإن كنّا لا ننكر وجود ذلك في الجملة في فقهنا الإسلامي، كما لا ننكر تماميّة الاستفادة من الارتكاز في الجملة بالشكل الذي مضى بيانه ضمن بحثنا عن الطريق الأوّل.

إعمال الولاية بلحاظ الآثار:

وهناك تقريب لإثبات كلّ أو جلّ الآثار العمليّة للشخصيّات الحقوقيّة في فقهنا عن طريق فرض تدخّل الفقيه بإعمال الولاية رغم عدم ثبوت نفس الشخصيّة الحقوقيّة، وذلك بأن يلحظ الفقيه الآثار العمليّة المترتّبة على فرض الشخصيّة الحقوقيّة ويأمر بها إذا رأى المصلحة الاجتماعيّة في ذلك من دون خلق هذه الشخصيّة ابتداءً التي فرضنا أنّها لا تخلق ابتداءً بولاية الفقيه، وذلك بالقدر الذي لا يتنافى مع نظام الإسلام.

فمثلا: كان من جملة الآثار العمليّة للاعتراف بالشخصيّة الحقوقيّة للشركة القانونيّة أنّ مَن أقرض الشركة مالا لم يضرب مع الغرماء الشخصيّين للشركاء لدى التفليس، بل أخذ حصّته من أموال الشركة لو كانت مشتملة على ذاك المقدار من دون مزاحمة الديّان الشخصيّين لهم إيّاه. وهذا يمكن تحقيقه لدى المصلحة بأمر الفقيه بأن يلزم الديّان الشخصيّين للشركاء بأمر كان مباحاً لهم وهو عدم مزاحمتهم لمن أقرضهم لصالح الشركة في أخذ حصّته من المال الموجود في حوزة الشركة.

وكان من جملة الآثار العمليّة للشخصيّة الحقوقيّة أنّه لو كان أحد دائناً للشركاء ومديناً للشركة أو بالعكس لم يقع التهاتر بين الدَينين.

فإن قلنا: إنّ التهاتر بين الدَينين في موارده أمرٌ اختياريّ وليس قهرياً، أي أنّ أحد المدينين بإمكانه أن يوفي دَينه بجعل ما يطلبه من صاحبه بدلا عن دَينه، وأنّ أحد المدينين لو عصى وامتنع عن الأداء كان لصاحبه تملّك ما عليه بالتقاصّ، إذن فمن حقّ الفقيه إلزامهم بما كان مباحاً لهم من عدم اختيار التهاتر.