المولفات

المؤلفات > مالكيّة الأعيان والجهات

14

وتنقيح هذا الوجه يتوقّف على الالتفات الى مقدار سعة دائرة ولاية الفقيه، فنقول: إنّ الولاية اُعطيت للفقيه من قِبل الشريعة الإسلاميّة، والمفهوم عرفاً من كلّ ولاية تعطى لأحد أو لفئة من قِبل نظام مّا أنّها ولاية في دائرة ما يكون داخلاً تحت ذاك النظام دون ما يكون خروجاً عليه، وكذلك الحال بالنسبة لولاية الفقيه، فالمفهوم عرفاً ـ من دليل ولاية الفقيه المعطاة له من قبل نظام الإسلام ـ هو الولاية في أمر لا يكون في نفسه خروجاً عن ذاك النظام، خاصّة إذا كان دليلنا مثل قول الحجّة (عجل الله تعالى فرجه الشريف): «أمـّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها الى رواة حديثنا فإنّهم حجّتي عليكم وأنا حجّة الله. أو. وأنا حجّة الله عليهم»(1). فالأمر بالرجوع الى الرواة علّل بأنّهم حجّة الإمام، فلا يفهم من ذلك الولاية في أمر يكون في ذاته خروجاً عن النظام الذي يؤمن به الإمام.

وعلى هذا فنقول: إنّ الولاية تارةً تلحظ بلحاظ دائرة الأحكام التكليفيّة، واُخرى تلحظ بلحاظ دائرة الاحكام الوضعيّة.

أمّا إذا لاحظنا دائرة الأحكام التكليفيّة فمقتضى الالتزام بما شرحناه من كون الولاية فيما لا يكون خروجاً على نظام الإسلام هو أن تختصّ الولاية بدائرة المباحات ـ وأقصد بذلك الإباحة بالمعنى العامّ الشاملة للمستحبّ والمكروه ـ دون الإلزاميّات، إذ لو أمر الوليّ الفقيه بفعل مباح أو نهى عنه لم يكن هذا أمراً بما يكون خروجاً على نظام الإسلام، لأنّ التزام المولّى عليه بهذا الفعل أو بتركه لم يكن في نفسه مخالفاً لنظام الإسلام، لأنّ المفروض إباحة الفعل والترك معاً. وهذا بخلاف أن يأمر بترك الصلاة أو بشرب الخمر مثلاً، فإنّ هذا أمر بما هو خروج على نظام الإسلام ومخالفة للشريعة الإسلاميّة، وهذا غير مفهوم عرفاً من ولاية اُعطيت من قِبل نظام الإسلام والشريعة الإسلاميّة.

نعم، تشخيص الأهمّ والمهمّ في المتزاحمات في باب الأحكام الإلزاميّة يُعطى ـ بحدود المصالح الاجتماعيّة والعامّة ـ بيد الوليّ الفقيه. فمثلاً لو رأى الولي الفقيه أنّ باب الحجّ يجب سدّه في سنة كذا لتزاحمه مع مصلحة قطع الروابط مع الحكومة الجائرة المسيطرة على الحرمين الشريفين وكانت تلك المصلحة أهمّ في نظره من الحجّ فأمر بترك الحجّ وجب على المجتمع اتّباع الوليّ الفقيه في أمره بذلك.

وأمّا إذا لاحظنا دائرة الأحكام الوضعيّة فالمتجّه أيضاً تفصيل يشبه التفصيل الذي ذكرناه بلحاظ الأحكام التكليفيّة، فمتى ما كان الحكم الوضعي كالصحّة والبطلان قد ربط أمره برضا الشخص وعدم رضاه كان معنى ولاية الوليّ على هذا الشخص أنّ رضاه ومنعه أولى بالتحكيم من رضا نفس ذلك الشخص ومنعه، ومتى ما لم يكن كذلك عدّ إعمال الولاية في ذلك خروجاً على نظام الشريعة. فمثلاً صحّة البيع وبطلانه منوطان برضا المالك بالمبادلة وعدمه، وعندئذ يكون من حقّ الوليّ أن يبيع مال المولّى عليه من دون إذنه إذا رأى المصلحة في ذلك فيصحّ البيع، أو أن يمنع عن البيع لمصلحة في ذلك فيبطل البيع رغم رضا المالك، فكما أنّ الأب من حقّه بيع مال الصغير لمصلحته أو المنع عن البيع وإن رغب الطفل في ذلك فتدور صحّة البيع وبطلانه مدار رأي الأب ومنعه كذلك الوليّ الفقيه الذي نسبته الى الاُمّة كنسبة الأب الى أطفاله يجوز له عندما يرى المصلحة في التدخّل أن يتدخّل في تصحيح بعض البيوع أو إبطاله.

أمّا إذا لم يكن الحكم الوضعي مرتبطاً برضا الشخص ومنعه كما في الطهارة والنجاسة فولاية الوليّ على شخص مّا أو على المجتمع لا تعني سيطرته على هذه الأحكام الوضعيّة بالنسبة للمولّى عليه بحيث يطهّر النجس وينجّس الطاهر مثلاً، فإنّ هذا خروج على نظام الشريعة.


(1) الوسائل 18: 101، الباب 11 من أبواب صفات القاضي، الحديث 9، وكتاب إكمال الدين وإتمام النعمة: 484، الباب 45 التوقيعات التوقيع الرابع بحسب طبعة دار الكتب الإسلاميّة بطهران، وكتاب الغيبة للطوسي (رحمه الله): 177 بحسب طبعة مطبعة النعمان في النجف الأشرف.