فالجواب على ذلك: ما أفاده اُستاذنا الشهيد (رحمه الله) من أنّ التأمينات تجعل عادةً على دَين مّا وبلحاظ مدين مّا. أمـّا لو تبدّل المدين إلى شخص آخر فقد لا يرى الدائن حاجة إلى فرض تأمينات بالقياس له. نعم، لا مانع من افتراض النصّ منذ البدء على أنّ هذه التأمينات هي تأمينات على ذات هذا الدَين أينما حلّ، ومع هذا النصّ لا نتحاشى من ثبوت التأمينات على حالها، ولا يشترط في الرهن مثلا أن يكون ملكاً للمدين.
وأمـّا ما يظهر من بعض عبائر الوسيط كشاهد آخر على نفي كون ما سمّي بالحوالة في الفقه الإسلامي حوالة للدَين بالمعنى الدقيق للكلمة، وذلك في غير الفقه الحنفي من أنّهم لم يعترفوا بالحوالة على البريء، وخصّوا الحوالة بالحوالة على المدين، وهذا يعني أنّهم يقصدون بالحوالة الوفاء، وبما أنّه لا معنى للوفاء في البريء ولذا خصّت الحوالة بالحوالة على المدين، والحوالة بالمعنى الحقيقي لا تكون إلّا في الحوالة المطلقة، أي غير المقيّدة بالدَين، وتخريج الحوالة التي ذكروها إنّما هو تجديد الدَين لا المعنى الدقيق لحوالة الدَين، فهذا كلام لا محصّل له، فإنّ فرض كون الحوالة على المدين وفاءً حياديّ تجاه تفسيرها بالمعنى الدقيق للحوالة وتفسيرها بمعنى تجديد الدين، ولئن كان تفسيرها بمعنى الحوالة يؤدّي إلى الاستفهام عن أنّها لماذا تخصّ بالمدين؟ كذلك تفسيرها بتجديد الدَين يؤدّي إلى نفس الاستفهام، وهو أنّه لماذا تخصّ بالمدين؟
نعم، لو كان عنوان الوفاء عنواناً مستقلاًّ بنفسه لا يفسّر على أساس الحوالة ولا على أساس تجديد الدَين لكان لاختصاص ذلك بالمدين دون البريء وجـه بأن يقال: إنّ المدين إنّما يوفي دَينه بما يملكه لا بمال إنسان بريء مثلا، ولكن السنهوري نفسه لم يفترض أنّ عنوان الوفاء بنفسه عنوان مستقلّ غير محتاج إلى تكييف، بل فرضه محتاجاً إلى تكييف، وذكر أنّ تكييفه يكون بمعنى تجديد الدَين لا الحوالة بمعناها الدقيق، وإذا كان عنوان الوفاء ليس هو التفسير والتكييف الكافيين للمسألة فلا أدري لماذا تكون الحوالة بمعناها الدقيق غير متصوّرة إلّا في الحوالة المطلقة دون الحوالة على الدَين؟!