أمـّا احتمال كونها منتزعة من الحكم التكليفيّ بمعنى كون الحكم التكليفيّ منشأً لانتزاعه، أو سبباً لانتزاعه، فهذا البيان ـ كما ترى ـ لا يكفي لنفيه. وقد ورد في الحلقة الثالثة من. دروس في علم الاُصول )(1) لاُستاذنا الشهيد (رحمه الله) بيان لنفي ذلك، وهو أنّ الملكيّة تقع عقلائيّاً وشرعاً موضوعاً للحكم التكليفيّ، فلا يعقل انتزاعها منه وتأخّرها عنه.
ثلاثة تعابير عن الملك:
وفي نهاية بحثنا عن مفهوم الملك نقول: قد اتّضح أنّ الملك الذي هو نوع علاقة بين المالك والمملوك باستطاعتك أن تعبّر عنه بنوع إضافة اعتباريّة بين المالك والمملوك، أو بسلطنة اعتباريّة، أو جدة اعتباريّة.
وقد جاءت كلّ التعابير الثلاثة ـ أعني الإضافة والسلطنة والجدة ـ على لسان مقرّر بحث المرحوم المحقّق النائينيّ (رحمه الله) في منية الطالب(2).
وقد تفترض هذه التعبيرات الثلاثة تعريفات ثلاثة للملكيّة(3)، ويكون التباين بين هذه التعريفات واضحاً بناءً على حملها على معانيها المقوليّة، مع تسليم ما يفترض فلسفيّاً من التباين بين معنى السلطنة، وهي القدرة على تقليب العين وتقلّبها، وأنّها من مقولة الكيف ومعنى الإضافة، وهي النسبة المتكرّرة ومعنى الجدة، وهي الهيئة الحاصلة للجسم بسبب إحاطة جسم بكلّه أو ببعضه ـ على ما يدّعون(4) ـ. فإن كان الملك عبارة عن واقع إحدى هذه المقولات فهذه تعريفات ثلاثة متباينة، وإن كان عبارة عن اعتبار مقولة من هذه المقولات فهي أيضاً تعريفات ثلاثة متباينة.
ولكن الظاهر ـ بعد فرض عدم كون الملك أمراً واقعيّاً بقطع النظر عن الحكم التكليفيّ، ولا نفس الحكم التكليفيّ، ولا منتزعاً عن الحكم التكليفيّ، وكونه أمراً اعتباريّاً يجعل موضوعاً للحكم التكليفيّ ـ أنّ المعتبر كأنـّه استنسخ نسخة من ملكيّة الإنسان لجوارحه وأعماله بمعنى قدرته وسلطنته عليها(5) التي هي موضوع لحكم العقل العمليّ بأولويّته للتصرّف فيها، وصحّ التعبير عن ذلك بنوع إضافة بين المالك والمملوك بالمعنىالذي يصحّ أن يقال عن سلطنة الإنسان على جوارحه وأعماله: أنّها نوع إضافة بينه وبينها، وصحّ التعبير أيضاً عن ذلك بالجدة بمعنى واجديّته لأمواله، كما يصحّ التعبير بواجديّة الإنسان لجوارحه وأعماله، لا بمعنى الجدة الفلسفيّة، ولذا اجتمعت كلّ التعابير الثلاثة على لسان شخص واحد ـ كما عرفت ـ.