المولفات

المؤلفات > الفتاوى المنتخبة

33

على أنّ هذا العداء له مبرّره المنطقيّ في ضوء ما قلناه في الكلمة الثانية والرابعة من تقييم الدين على أساس الواقع وضمانه للعدالة وإسعاد المجتمع، فإذا أثبت الدين واقعيّته وقيامه على ضوء اُسس العدل والمصالح الواقعيّة فإنّ أيّ مخالفة له في الواقع تعني مخالفة العدالة الحقيقيّة، والمصالح الواقعيّة للإنسانيّة.

وبعد هذا نقول: إنّ الإسلام بكلّ ما يمتلكه من خصائص حقّق انتصاراً عظيماًفي مجال توحيد السلطتين الدينيّة والدنيويّة، الأمر الذي فشلت فيه المسيحيّة،كما يؤكّد ذلك روسو ويمدح النبيّ محمّداً(صلى الله عليه وآله) على هذا الأساس، ويظنّ أنّ ذلك منعبقريّته وبراعته الإداريّة، غافلاً عن أنّ المجال ليس مجال عبقريّة وبراعة إنسانيّة،بل هو قائم على أساس طبيعة الإسلام وروحه الحقيقيّة ممّا نزل على النبيّ محمّد(صلى الله عليه وآله)بالوحي.

هذا، وروسو يعالج مشكلة الفصل بين السلطتين بسحق سلطة الدين وتمييعه وتلخيصه في كلمات مختصرة، وهو علاج صحيح لو كان المنظور إليه هو المسيحيّة التي ينظر إليها، أمّا علاج المشكلة الحقيقيّة فهو عبارة عن توحيد السلطتين الذي قام به


بالمشركين من أهل المعاهدة والذمّة.

وكقوله تعالى ـ في سورة الإنسان، الآية: 7 ـ 8 ـ: ﴿يُوفُونَ بِالنّذْرِ وَ يَخافُونَ يَوْمًا كانَ شَرّهُ مُسْتَطيراً، وَ يُطْعِمُونَ الطّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكيناً وَ يَتيماً وَ أَسيراً﴾، وسياق هاتين الآيتين وما بعدهما سياق الإقصاص، حيث تذكر قوماً من المؤمنين تسمّيهم الأبرار وتكشف عن بعض أعمالهم وهو الإيفاء بالنذر وإطعام مسكين ويتيم وأسير، وتمدحهم، والشاهد على كون الآيات مدنيّة كون الأسر إنّما كان بعد هجرة النبيّ(صلى الله عليه وآله) وظهور الإسلام على الكفر والشرك، لا قبلها.

هذا، وقد روى الخاصّة والعامّة أنّها نزلت في قصّة مرض الحسنين(عليهما السلام) ونذر عليّ وفاطمة(عليهما السلام) وفضّة جارية لهما: إن برئ الحسنان(عليهما السلام) ممّا بهما أن يصوموا ثلاثة أيّام. (راجع للتفصيل: تفسير الميزان، السيد الطباطبائيّ: ج 20، ص 126 فما بعد، وتفسير مجمع البيان للشيخ الطبرسيّ، ج 1، ص 207 فما بعد).

فإطعام الأسير من قبل أهل البيت(عليهم السلام) دليل مشروعيّة الإحسان إلى بعض الكفّار.