المولفات

المؤلفات > محل الذبح في الحجّ

5

الوجه الثالث ـ ما ورد بشأن من نسي الذبح في منى حتى زار البيت، وهو صحيحة معاوية بن عمّار عن أبي عبد الله، في رجل نسي أن يذبح بمنى حتى زار البيت، فاشترى بمكة ثمّ ذبح؟ قال: «لا بأس؛ قد أجزأ عنه»(1).

ومن الواضح أنّ الشراء بمكة لا خصوصية له حتى ركّز السائل عليه، فيبدو أنّ مقصود السائل هو أنّه حينما نسي في اليوم العاشر الذبح بمنى حتى زار البيت اشترى بمكة وذبح فيها حفاظاً على وقوع الذبح في اليوم العاشر، فقال: «قد أجزأ عنه» فلئن كان حكم النسيان هذا يتعدّى العرف إلى فرض العجز بلا إشكال.

الوجه الرابع ـ قوله تعالى: ﴿لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَل مُّسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيق﴾(2).

وتوضيح الاستدلال بهذه الآية المباركة: أنّنا لو كنّا والمعنى اللفظي البحت للآية لقلنا: إنّ محلّ الهدي هو فناء الكعبة؛ لأنّ الكعبة هي البيت العتيق، ولكن لا شكّ أنّ كل مكّة داخل في المقصود، كما ورد ـوسيأتي إن شاء اللهـ في الحديث الصحيح: «إنّ مكّة كلّها منحر»(3)، وهذا التفسير للآية يكون بمناسبة أنّ البيت العتيق في مكة.

ولولا نصوص وجوب الذبح بمنى لكنّا نقول بمقتضى هذه الآية: إنّ محل ذبح الهدي هو مكة، كما أنّ تلك النصوص لا يمكن أن تؤدي إلى سلخ جملة ﴿مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيق﴾ من معناها نهائياً، فمقتضى الجمع بين مفاد الآية المباركة وتلك النصوص: أن يكون المقصود مكة بما حواليها إلى حدود منى، فيدخل منى في دائرة البيت العتيق بمعنى واسع. وعندئذ هل يتعامل مع الآية وتلك النصوص معاملة المطلق والمقيّد المعروفة في علم الاُصول؛ أي أنّ المقصود هو الذبح بمنى الذي يكون بمعنى واسع ذبحاً بالبيت العتيق ويكون في نفس الوقت ذبحاً بمنى، أو يكون التنصيص في الآية المباركة على حدّ البيت العتيق ـرغم دلالة تلك النصوص على الحدّ الثاني وهو منىـ دالاًّ عرفاً على أنّ الحد الأوّل ـبما هوـ مطلوب وإن كان يجب مع الإمكان مراعاة كلا الحدّين؟

والوجه الرابع هذا متوقف على استظهار هذا الأمر الأخير؛ أي أنّ التنصيص في الآية على البيت العتيق يعطي ركنيّة لهذا الحدّ، فيفهم أنّه وإن كان يجب الأخذ بالحدّ الخاص وهو منى لدى الإمكان، ولكن لدى العجز عن الحدّ الخاص تبقى حديّة البيت العتيق ويجب الذبح بمكة وما حواليها.

فلو قبلنا هذا الاستظهار فقد تمّ لنا هذا الوجه الرابع لإثبات المقصود؛ وهو أنّ الذبح لا يسقط بالعجز عن إيقاعه في منى، بل لابدّ من تحقق الذبح ولو في مكّة.

ولو لم نقبل هذا الاستظهار فالآية الكريمة تفيدنا ـعلى أيّة حالـ فائدة اُخرى في المقام.

وتوضيح ذلك: أنّه بعد تسليم عدم سقوط الذبح إلى بدل وهو الصوم ولا من دون بدل، تبقى مسألة اُخرى هامّة أيضاً؛ وهي أنّه هل يجوز ذبح الهدي بعد العجز عن إيقاعه في منى في أيّ مكان شئنا، أو يجب اختيار مكة أو ما حواليها للذبح؟


(1) المصدر السابق: ص 156، ب 39 من الذبح، ح 5، و: ص 159، ح 11.
(2) سورة الحجّ، الآية: 33.
(3) وسائل الشيعة 14: 88، ب. من الذبح، ح 2.