المولفات

المؤلفات > محل الذبح في الحجّ

12

والذي قد يقف أمام هذا الكلام أمران:

أحدهما: دعوى وجوب إيقاع الذبح في اليوم العاشر وأنّ استمرار أيّام الاُضحية إلى اليوم الثاني عشر أو الثالث عشر لا ينافي وجوب إيقاعه في اليوم العاشر؛ فإنّ هذا الاستمرار قد يكون بمعنى صحة الذبح في باقي الأيّام للمعذور من الذبح في اليوم العاشر، أو قل: حتى للعامد الذي عصى بالتأخير، وإذاً فقد دار الأمر لدى منع السلطة عن الذبح في منى في اليوم العاشر بين سقوط قيد منى فيذبحه في مكان آخر، وسقوط قيد اليوم فيؤجّله، فما الذي رجّح الثاني على الأوّل؟!

وثانيهما: دعوى أنّ الحلق يكون بعد الذبح، فلو أجّل الذبح كيف أفتى (رحمه الله) بالتحلل بالحلق قبل الذبح؟

فهاتان مشكلتان تتبادران إلى الذهن في فتوى السيّد الخوئي (رحمه الله).

وفي مقابل المشكلة الاُولى وهي دعوى وجوب الذبح في اليوم العاشر، قد يقال: لا دليل على وجوب الذبح في اليوم العاشر عدا ما دلّ على أنّ الحلق يكون موضعه بعد الذبح منضماً إلى القول بأنّ الحلق يجب أن يكون في اليوم العاشر، فإنّ الجمع بين الأمرين لا يكون إلّا بالذبح في اليوم العاشر، فلو سلّمنا الأمر الثاني ـأعني أنّ الحلق يجب أن يكون في اليوم العاشرـ تركّزت المشكلة الاُولى في أنّ الحلق موضعه بعد الذبح.

وبهذا البيان تصبح ركيزة كلتا المشكلتين في فتوى السيّد الخوئي (رحمه الله) عبارة عن ضرورة كون الحلق بعد الذبح.

ومن هنا عالج السيّد الخوئي (رحمه الله) كلتا المشكلتين بمنع الإطلاق في دليل وجوب تأخير الحلق عن الذبح، فإنّ الدليل على ذلك إنّما هو عبارة عن الخطابات التي كانت متوجهة إلى القادرين على الذبح الصحيح في اليوم العاشر والتي أمرتهم بالحلق بعد الذبح، من قبيل: صحيحة عمر بن يزيد: «إذا ذبحت اُضحيتك فاحلق رأسك...»(1)، وصحيحة سعيد الأعرج في النساء اللاتي يرمين العقبة بالليل: «ثمّ أفض بهنّ حتى تأتي الجمرة العظمى فيرمين الجمرة، فإن لم يكن عليهنّ الذبح فليأخذن من شعورهنّ...»(2)، ومفهومها أنّه إن كان عليهنّ الذبح فليقصّرن بعد الذبح.

وكلا هذين النصين ـكماترىـ لا إطلاق لهما؛ لفرض العجز عن الذبح بمنى في اليوم العاشر.

وأيضاً قد يستدل على وجوب تأخير الحلق عن الذبح بصحيحة جميل بن درّاج(3) عن أبي عبد الله «أنّ رسول الله (صلى الله عليه و آله) أتاه اُناس يوم النحر، فقال بعضهم: يا رسول الله، إنّي حلقت قبل أن أذبح، وقال بعضهم: حلقت قبل أن أرمي، فلم يتركوا شيئاً كان ينبغي لهم أن يقدّموه إلّا أخّروه، ولا شيئاً كان ينبغي أن يؤخّروه إلّا قدّموه، فقال: لاحرج»(4). وهذا أيضاً ـكماترىـ ليس له إطلاق لمحل البحث؛ فإنّه لم يكن في ذاته بصدد بيان الترتيب.

وأيضاً قد يستدل على وجوب تأخير الحلق عن الذبح بصحيح عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله، قال: سألته عن رجل حلق رأسه قبل أن يضحّي، قال: «لا بأس، وليس عليه شيء، ولايعودنّ»(5). إلّا أنّ هذا أيضاً لا إطلاق له؛ لأنّ الرجل المفروض في السؤال كان قادراً على أن يضحّي في اليوم العاشر كما هو المفروض يومئذ، وإنّما النقص المفروض في عمله هو أنّه حلق قبل الذبح.


(1) وسائل الشيعة 14: 211، ب. من الحلق والتقصير، ح 1.
(2) المصدر السابق: ص 53، ب. من رمي جمرة العقبة، ح 1، و: ص 155، ب 39 من الذبح، ح 2.
(3) المعتمد، كتاب الحجّ 5: 212 ـ 213 و 306 ـ 307.
(4) وسائل الشيعة 14: 155، ب 39 من الذبح، ح 4.
(5) المصدر السابق 14: 158، ب 39 من الذبح، ح 10.