المولفات

المؤلفات > بحث في اللقطة ومجهول المالك

5

يبقى أنّ هذا الشاهد الثاني ينافي التفصيل ـ الوارد في حديث يعقوب بن شعيب ـ بين لقطة الحرم ولقطة غير الحرم، فإذا كان النهي ـ حتّى في لقطة الحرم بالنسبة لمن يعرّف ـ إرشاداً إلى صعوبة العمل بالتكليف أو التخوّف من الوقوع في الحرام فما معنى التفصيل الوارد في حديث يعقوب بن شعيب بين لقطة الحرم. أو عنوان آخر يشبه عنوان الحرم. وغيرها، فقد روى يعقوب بن شعيب قال: سألت أبا عبد الله عن اللقطة ونحن يومئذٍ بمنى، فقال: "أمّا بأرضنا هذه فلا يصلح، وأمّا عندكم فإنّ صاحبها الذي يجدها يعرّفها سنة في كلّ مجمع، ثمّ هي كسبيل ماله"(1). فهذه الرواية التامّة السند دلّت على جواز الالتقاط في غير الحرم مثلاً ونهت عن الالتقاط في الحرم مثلاً، فلو كان النهي إرشاديّاً من هذا القبيل فما معنى هذا التفصيل؟!

وقد يقال: يكفي في التفصيل اشتداد النهي في لقطة الحرم سواء أكان نهياً كراهتيّاً أو إرشاداً إلى عدم الابتلاء بالحرام أو مشقّة التكليف المترتّب على الاتقاط، فقد تكون حرمة الأكل مثلاً في لقطة الحرم أشدّ، أو يكون التكليف المترتّب على التقاط لقطة الحرم أشقّ حيث يجوز الأكل بعد التعريف في لقطة غير الحرم ولا يجوز ذلك في لقطة الحرم، فلابدّ من التصدّق مثلاً كما يشهد لذلك ما عن إبراهيم بن عمر بسند تامّ عن أبي عبد الله قال: "اللقطة لقطتان: لقطة الحرم وتعرّف سنة؛ فإن وجدت صاحبها وإلا تصدّقت بها. ولقطة غيرها تعرّف سنة؛ فإن جاء صاحبها وإلا فهي كسبيل مالك"(2).

بقي أنّ وجود القرينة في بعض روايات النهي على عدم كونه نهياً كراهتيّاً بالمعنى المصطلح للكراهة وكونه إرشاداً إلى صعوبة التكليف أو خوف الوقوع في الحرام، لا يوجب حمل النهي الوارد في بعض الروايات الاُخرى أيضاً على ذلك، من قبيل ما مضى من رواية الحسين بن أبي العلا قال: ذكرنا لأبي عبد الله اللقطة، فقال: "لا تعرَّض لها؛ فإنّ الناس لو تركوها لجاء صاحبها حتّى يأخذها"(3). بل التعليل في هذه الرواية يشهد لثبوت الكراهة بنكتة أنّ الناس لو تركوها لجاء صاحبها حتّى يأخذها، وهذا غير مسألة صعوبة التكليف أو التخوّف من الوقوع في الحرام، فالظاهر كراهة التقاط اللقطة وخاصة في الحرم أو عنوان آخر يقرب من عنوان الحرم.

وقد ظهر إلى الآن: جواز التقاط اللقطة حتّى في الحرم رغم بعض النواهي عن الالتقاط مطلقاً، أو في الحرم، أو عنوان يقرب من عنوان الحرم، كقوله: "أمّا بأرضنا هذه فلا يصلح"(4).

يبقى الكلام في أنّ جواز الالتقاط هل يختصّ بغير الحيوان أو يشمل الحيوان؟

يبدو من بعض الروايات التفصيل في الحيوان بين ما يخاف عليه التلف، وما يحمي نفسه ولا يخاف عليه التلف، ففي الأوّل يجوز الالتقاط على كراهية، وفي الثاني لا يجوز.

فعن هشام بن سالم عنه أبي عبد الله قال: "جاء رجل إلى النبيّ (صلى الله عليه و آله) فقال: يا رسول الله إنّي وجدت شاة، فقال رسول الله (صلى الله عليه و آله): هي لك أو لأخيك أو للذئب. فقال: يا رسول الله: إنّي وجدت بعيراً، فقال: معه حذاؤه وسقاؤه؛ حذاؤه خفّه، وسقاؤه كرشه، فلا تهجه"(5). وسند الحديث تامّ.


(1) المصدر السابق: 361، ب 28 من مقدمات الطواف، ح 1.
(2) المصدر السابق: ح 4.
(3) وسائل الشيعة 17: 348، ب. من اللقطة، ح 2.
(4) وسائل الشيعة 9: 361، ب 28 من مقدمات الطواف، ح 1.
(5) المصدر السابق: 363، ب 13 من اللقطة، ح 1.