إلّا أنّ هذه الدلالة لو تمّت فهي تحليليّة أيضاً لا يمكن الاعتماد عليها بعد حمل الذيل على التقيّة. إلّا أنّها على أيّ حال توجب إجمال الصدر، فلا يمكن دعوى ظهور الصدر في إرادة أنّ تعزير الحرّ يكون أقلّ من أقلّ حدود الحرّ، بل بغضّ النظر عن ذلك يمكن أن يقال انّ كلمة الحدّ في الصدر تنصرف ـأو على الأقلّ محتملة الانصرافـ إلى الحدّ الواضح بين المسلمين، وهو الوارد في القرآن، وهو حدّان أقلّهما حدّ القذف وهو ثمانون، فلا ظهور للصدر في ذاته في إرادة ما هو أقلّ من ذلك كحدّ القيادة أو مجامعة الحائض مثلاً. ومع الاجمال نرجع إلى إطلاق دليل الولاية، ويثبت جواز تعزير الحرّ بما يراه الوالي من مصلحة ما لم يصل إلى الثمانين، أمّا في العبد فيجب أن لا يصل إلى الخمسين، هذا.
وينبغي أن نستثني من قاعدة عدم جواز الضرب في غير موارد الحدّ بما يبلغ مستوى الحدّ حالتين:
الحالة الاُولى: ما لو جزمنا أنّ هذا المبلغ لا يكفي لتأديبه، فالوليّ يعيّن حينئذ ما يراه صالحاً لتأديبه وذلك لأنّ التعزير يعني التأديب والمنع، فلا يفهم العرف من دليل تحديد أقصى حدّ التعزير بما دون الحدّ إطلاقاً لما إذا قطعنا بعدم حصول التأديب والمنع بذلك.
الحالة الثانية: ما لو كان العمل المردوع عنه يهدف إقصاءَه بحدّ ذاته من الخارج للمصالح الاجتماعيّة، فلم يعد الهدف مجرّد تأديب هذا الشخص وتهذيبه، وتوضيح ذلك:
إنّه لا إشكال في مطلوبية تأديب وتهذيب كلّ عاص من العصاة لمصلحته هو، كما لا إشكال في أنّ تأديب كلّ عاص يعود بوجه ما نفعه إلى المجتمع أيضاً، ولكن قد يكون تأثير بعض المعاصي في الاضرار بالمجتمع واضحاً إلى حدّ كان هدف إنجاء المجتمع من ذلك يرى هدفاً مستقلاً بذاته بغضّ النظر عن تأديبه وتهذيب هذا الشخص، كما لو كان ما يصدر منه إيذاءً للمجتمع كالتجسّس مثلاً، فهذا يختلف عن مجرّد رجوع ضرر كلّ معصية إلى المجتمع بالتحليل، ففي مورد من هذا القبيل لا يبعد أن يقال بأنّ تخمين مقدار الحاجة إلى الضرب يعود إلى وليّ الأمر، ولا نتقيّد بحدود ما يقل عن الحدّ لعدم إطلاق في الرواية لذلك.