المولفات

المؤلفات > الوطن الشرعيّ ومقياس تعدّد الوطن

6

ومن الطريف ما أجاب به السيّد الخوئيّ (رحمه الله) عمّا ذكرناه من مسألة التعبير بصيغة المضارع: من أنّ الوجه في التعبير بصيغة المضارع كان المفروض بالرجل عدم الاستيطان أو المقام ستّة أشهر حتّى الآن، فعبّر بصيغة المضارع، أي: مادام أنّه لم يفعل ذلك في الماضي فعليه أن يفعل ذلك في المستقبل حتّى يصبح البلد وطناً له، فهذا نظير ما لو فرضنا أنّه قال: ( امرأة في دارنا لها زوج ولها ابنة صغيرة، وإنّني مبتلى بالنظر إلى شيء من بدنها أو لمسه بغير شهوة؟ قال: ليس لك ذلك، إلّا أن تعقد على ابنتها. قلت: وما العقد على ابنتها؟ قال: تتزوّجها ولو ساعة، فإذا كان كذلك جاز لك النظر واللمس بغير شهوة متى شئت )، أفهل يدلّ هذا على شرط دوام العقد أو التزويج والتوالي فيهما؛ لأنّه عبّر عنهما بصيغة المضارع؟!(1).

أقول: الفرق بين المقام وبين هذا المثال واضح، وهو: أنّه فُرِضَ في هذا المثال رجلٌ لم يعقد ولم يتزوّج بنتها من قبل، فكان هذا هو مناسبة التعبير بصيغة المضارع، أمّا في موردنا فصحيحة ابن بزيع ذكرت رجلاً فرضيّاً يملك ضيعة ولم يفترض عدم استيطانه أو إقامته سابقاً في وقت ما، فلا  نكتة في التعبير بالمضارع إلّا إرادة الإشعار بالدوام.

ومن الطريف أيضاً مناقشته في أصل دلالة صيغة المضارع على الدوام والتلبّس وإن اشتهرت على الألسن، وربّ شهرة لا  أصل لها، وهل يحتمل التجدّد في المثال المزبور ـ  يقصد مثال امرأة في دارنا ...  ـ أو هل يفهم من مثل قوله تعالى: ﴿فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ﴾(2) ضرورةُ تجدّد نكاح زوج غيره على الدوام؟!

أقول: الفرق بين هذه الموارد والمقام ما قلناه: من أنّ نكتة التعبير بالمضارع في المثال الذي ذكره السيّد الخوئيّ (رحمه الله) وكذلك في الآية الشريفة أنّ الكلام كان في رجل كان المفروض عدم صدور ما طلبته الشريعة منه، بخلاف صحيحة ابن بزيع التي لم يكن فيها فرض من هذا القبيل.


(1) راجع ما ذكرناه من المستند: 249.
(2) سورة البقرة، الآية: 230.