المولفات

المؤلفات > نظرة الإسلام إلى الحقوق الزوجيّة

5

الرابع: أنّ الإسلام جعل الزواج مستحبّاً، ولم يجعله واجباً على الرغم من أنّ المصلحة المترتّبة عليه ربّما لاتقلُّ في غالب الأحيان عن المصلحة المترتّبة على بعض الواجبات، وجعل الطلاق مكروهاً، ولم يجعله محرّماً على الرغم من كونه مبغوضاً إلى حدّ الحرمة غالباً، فقد يكون السبب في ذلك ـ إضافة إلى ما سيأتي في الأساس الخامس ـ هو: أنّه لو لم تكن الرغبةُ الجنسيّة ولاالاستحبابُ الأكيد الثابت للزواج، أو الكراهةُ الأكيدة الثابتة للطلاق من قِبَل الشارع في مورد ما كافية لتحريك الشخص نحو الزواج، أو منعه من الطلاق لما كان ينبغي في ذلك المورد إيجاب الزواج، أو تحريم الطلاق؛ لأنّ الحياة الزوجيّة إن اُقيمت على أساس هكذا إيجاب أو تحريم، فربّما لاتُضفى عليها المودّة والرحمة، فتصبح حياة لاتُطاق.

الأساس الخامس: عنصر المرونة في الإسلام، فمن كمالات الإسلام وفضائله الجليلة اشتمالُه على عنصر المرونة والمطّاطيّة ممّا يجعله قابلاً للتطبيق في كلّ زمان ومكان، ومع كلّ الملابسات والأحوال، وقد أعمل الإسلام في نظامه عنصر المرونة بثلاثة أشكال:

الشكل الأوّل: فرض منطقة الفراغ، وجعل ملأها بيد وليّ الأمر، كما شرحنا ذلك في أبحاثنا عن ولاية الفقيه.

الشكل الثاني: تقييد نفس مواضيع الأحكام في غير منطقة الفراغ بقيود مرنة تجعلها تختلف بحسب التطبيق الخارجي باختلاف الأحوال والملابسات: من قبيل تقييد كثير من الأحكام الإلزاميّة بعدم العسر والحرج، أو تقييد كثير من الأحكام بعدم الضرر، ممّا يختلف في مدى صدقه أو عدم صدقه خارجاً بحسب اختلاف الأحوال والملابسات، وأحياناً إعطاء مواضيع مرنة في حدّ ذاتها: من قبيل مفهومي الغنى أو الفقر المختلفَيْن في المصداق باختلاف الزمان والمكان.

الشكل الثالث: جعل بعض الأحكام غير الإلزاميّة، فليس عدم الإلزام دائماً من باب عدم اشتمال متعلّق الحكم على ملاك الإلزام، بل قد يكون الترخيص وعدم الإلزام في الإسلام بملاك المرونة، أو تكون المرونة أحد ملاكاته، وقد يكون من هذا القبيل ما سنذكره من عدّة أمثلة:

الأوّل: مسألة الزواج، فعلى الرغم من أنّ الزواج من أحبّ الأشياء في الإسلام حتّى ورد بسند تامّ عن صفوان، عن الصادق (عليه السلام) أنّه قال: «قال رسول الله (صلى الله عليه و آله): ما من شيء أحبّ إلى الله عزّوجلّ من بيت يعمر في الإسلام بالنكاح»(1)، وورد عن رسول الله (صلى الله عليه و آله): «من رغب عن سنّتي، فليس منّي»(2)، نرى أنّ الإسلام لم يجعل الزواج واجباً، وهذا لايعني: عدم بلوغ المصالح والآثار المترتّبة عليه إلى مستوى الوجوب، وإنّما يعني: الإلتفات إلى عنصر المرونة.


(1) الوسائل 14، الباب الأوّل من مقدّمات النكاح، الحديث 10. ونظر الوسائل 15، الباب الأوّل من مقدّمات الطلاق، الحديث 1.
(2) الوسائل 14، الباب الثاني من مقدّمات النكاح، الحديث 9.