وأمّا الموقف الثالث ـ وهو إشرافه على قواعده الشعبيّة وحماية وجودها وتنمية وعيها ومدّها بكلّ أساليب الصمود والارتفاع إلى مستوى الطليعة المؤمنة ـ: فإنّي اُشير إلى روايتين تشهدان لذلك:
الرواية الاُولى: روى في البحار(1) عن المناقب ومختار الخرائج قصّة إرشاده(عليه السلام)للمساجين ـ حينما اُدخل(عليه السلام) السجن ـ بالحذر من جاسوس موكَّل بهم من قبل السلطة وهم لا يعلمون.
والقصّة ما يلي: «قال أبو هاشم الجعفري: كنت في الحبس مع جماعة فحُبس أبو محمّد وأخوه جعفر(2)، فخفّفنا له(3) وقبّلتُ وجه الحسن وأجلسته على مضربّة(4) كانت عندي، وجلس جعفر قريباً منه فقال جعفر: (وا شيطناه) بأعلى صوته، يعني: جاريةً له، فضجره أبو محمّد(عليه السلام)وقال له: اسكت. وإنّهم رأوا فيه أثر السكر، وكان المتولّي حبسه صالح بن وصيف، وكان معنا في الحبس رجل جمحيّ(5) يدّعي أنّه علويّ، فالتفت أبو محمّد(عليه السلام) وقال: لولا أنّ فيكم من ليس منكم
(1) بحار الأنوار 50: 254.
(2) يعني: جعفر الكذّاب.
(3) أي: أسرعنا إلى خدمته. وفي بعض النسخ: «فحففنا به».
(4) المُضربّة: كساء ذو طاقين بينهما قطن.
(5) يحتمل كونه منسوباً إلى الجَمح تشبيهاً له بالفرس الجَموح، وبالفارسيّة: چموش.