المولفات

المؤلفات > الاجتهاد و التقليد/حقيقة التقليد وحالاته

19

وعلى أيّة حال فما يمكن أن يفترض ملاكاً للتساقط في الفتاوى المتعارضة في مقابل ما نقلناه عن السيد الشاهرودي رحمه الله هو أحد أمرين:

الامر الأول: أن يقال: إنّ دليل التقليد ليس إطلاقه بدلياً، بل هو شمولي كما هو الأصل في إطلاق الموضوعات ولو ثبتت البدلية في مثل التراب في التيمم أو الماء في الوضوء والغسل بقرينة ما، وهي وضوح عدم مطلوبية التيمم بكلّ تراب أو الوضوء والغسل بكلّ ماء، فلا مبرّر لحمل دليل حجية الفتوى على البدلية، وإذا كان شمولياً وقع التعارض الداخلي في إطلاقه بلحاظ الفتويين المتعارضين والتساقط.

وجوه لمناقشة الأمر الأول:

ويمكن الجواب على هذا الأمر بعدة وجوه:

الوجه الأول: أنّ روايات التقليد على قسمين:

أحدهما: ما ورد بصيغة الأمر والإلزام أو يحتمل فيه ذلك كقوله: « أمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة أحديثنا » فإمّا أن يقال: إنّ هذا إلزام بالرجوع إلى الرواة أو يقال: إنّ معرفة كونه إلزاماً أو مجرّد الإرشاد إلى طريق الحلّ تعود إلى معرفة السؤال المحذوف، والذي كان هذا الكلام الوارد في التوقيع جواباً له.

وثانيهما: ما بصيغة الإلزام قطعاً، ولا يفيد إلا الإرشاد إلى طريق لحلّ مشكلة العمل من قبيل حديث « أما لكم من مفزع » (1)، أو حديث » أفيونس بن عبد الرحمن ثقة آخذ عنه ما أحتاج اليه من معالم ديني؟ » (2)، أو حديث « فللعوام أن يقلّدوه » (3)، ونحوها من الروايات التي لا تشتمل على أكثر من الترخيص في التقليد.

فقد نقبل أنّ صيغة الأمر تدلّ على الحجية الشمولية لكلا الفتويين؛ لأنّها إلزام بالأخذ بهما بعد أن فرضنا أنّ الأصل في إطلاق الموضوع أن يكون شمولياً لا بدلياً، وبما أنّه لا يمكن الأخذ بهما في وقت واحد؛ لأنهما متنافيان، والأخذ بأحدهما دون الآخر ترجيح بلا مرجّح، فيتساقطان، ولكن صيغة الترخيص أو التجويز لا تدلّ على أكثر من الحجية التخييرية أو البدلية.


(1) وسائل الشيعة 27: 145، ب 11، من أبواب صفات القاضي، ح 24.
(2) المصدر السابق: 147، ح 33.
(3) المصدر السابق: 131، ب 10، أبواب صفات القاضي، ح 20.