وعلى أثر ذلك وقع خلاف ثانٍ فيما بين الناس في قبول الشريعة أو ردّها، فمنهم مَن قبل الشريعة، ومنهم مَن ردّها.
هذا ما يفهمه العلّامة الطباطبائي من هذه الآية المباركة، فيقول: إنّ قوله تعالى: ﴿كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً﴾ يشير إلى الفترة الزمنية التي لم يكن فيها خلاف بين الناس، وإنّ قوله تعالى: ﴿فَبَعَثَ اللّٰهُ النَّبِيَّينَ مُبَشَّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقَّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ﴾ يشير إلى دور ما بعد الوحدة ووقوع الخلافات؛ إذ بعث اللّه النبيّين لإزالتها، وذلك ابتداءً من نوح(عليه السلام)، وإنّ قوله تعالى: ﴿وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيَّنَاتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ﴾ يشير إلى اختلاف ثانٍ حدث على أثر بعثة الأنبياء(عليهم السلام)، وهو ليس إشارة إلى الاختلاف الأوّل نفسه؛ لأنّ الاختلاف الذي حصل قبل بعثة الرسل(عليهم السلام) لا يمكن أن يقال عنه: ﴿وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيَّنَاتُ﴾؛ وذلك لعدم وجود ﴿الْبَيَّنَاتُ﴾ قبل مجيء الرسل، فكلمة ﴿أُوتُوهُ﴾ تكون في غير محلّها، فهذا الاختلاف إذاً هو غير الاختلاف الأوّل الذي بُعثت من أجله الرُسُل.
فالآية على هذا التفسير تشير إلى زمان ماضٍ، ولا تُثْبت وحدة الأُمّة في الزمن الحاضر، فليس وزانها وزان الآيتين اللتين ذكرناهما سابقاً، بل