الزاوية الثانية: الإشكال من ناحية السُنن التاريخية
وقد أجاب أُستاذنا(قدس سره) عن الإشكال القائل: لو كانت سُنَن التاريخ موضوعة من قِبَل اللّه تعالى كما تدلّ عليه بعض الآيات من قبيل قوله تعالى: ﴿وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللّٰهِ تَبْدِيلاً﴾ لما بقي إذاً للإنسان مجالٌ لأن يصنع تاريخه، بل إنّه يصبح حينئذٍ كمّية مهملة لا تدخل في الحساب.
إذ ذكر أنّ سُنَن التاريخ في الأعمّ الأغلب ليست ناجزة كالسنن التكوينية، من قبيل أنّ النار تحرق، وإنّما هي قضايا شرطية تشتمل على الشرط والجزاء، فالسنّة التاريخية التي تقول: ﴿... إِنَّ اللّٰهَ لَا يُغَيَّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيَّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ...﴾(1) لا تعطينا قضية ناجزة، وإنّما تقول: إن غيّرتم أنفسكم من الشرّ إلى الخير، فأنتم منتصرون، وإن غيّرتم أنفسكم من الخير إلى الشرّ، فأنتم منكسرون.
وعلى هذا فإنّ سُنّة التاريخ لا تتنافى مع الاختيار والإرادة؛ لأنّها تضع أمامنا شرطاً وجزاءً، ويكون الشرط تحت أيدينا، فإن أوجدناه يوجد الجزاء، وإن لم نوجده لم يوجد الجزاء، وهذه حالها حال القضية الشرطية القائلة: إن وضعتَ الماء على النار غلى، فإنّ هناك شرطاً
(1) الرعد: 11.