لأنّه وإن كان الوقف المألوف في زمن النصوص كان بشكل حبس العين وتسبيل المنفعة دون حبس المالية وتسبيل منفعتها لكن قد يخطر بالبال التمسّك بإطلاق روايات الصدقة الجارية(1) ببيان أنّ عنوان الصدقة الجارية صادق على وقف المالية، وحبس المالية على عمل خيريّ أمر معقول وعقلائي، كحبسها على الاتّجار بها وتسبيل منفعتها على تعازي الإمام الحسين عليه السلام مثلاً أو أيّ مشروع خيريّ آخر، وانحصار مصداقها في زمن النصوص في تحبيس عين معيّنة لا يوجب انصرافها إلى ذلك.
وبهذا البيان نصحّح أمثال الصناديق الخيرية أو تمليك مال لحركة أو حزب أو ما شابه ذلك إن كان أمراً خيريّاً يتمشّی فيه قصد القربة.
إلّا أنّ فهم هذا الإطلاق من روايات الصدقة الجارية يتوقّف على أن لا نحتمل كون انحصار مصداق الصدقة الجارية وقتئذٍ في مرتكز المتشرّعة في الوقف الذي لا يبدّل ولا يباع ولا يوهب صالحاً للقرينية الموجبة لانصراف إطلاق عنوان الصدقة الجارية إلى ذلك، أمّا إذا احتملنا ذلك فقد بطل الإطلاق. ولعلّ السبب في انصراف الصدقة الجارية وقتئذٍ عن وقف المالية الصرفة ابتداءً كصدقة جارية في الارتكاز العرفي والمتشرّعي عدم تعقّل ذلك في ذاك الزمان ضمن الاقتصاد المغلق الذي لم يكن يتحمّل الزمان والمكان غير ذلك.
ولكن حلّ هذا الإشكال عبارة عن الرجوع إلى صحيحة عبدالرحمن بن الحجّاج الصريحة في جواز شرط الواقف حقّ البيع والتبديل، فيرجع واقع المطلب إلى التصدّق بالمالية، أو قل: وقف المالية القابلة للتجسيد في الأعيان المختلفة.
فراجع هذا الحديث وهو حديث مفصّل، وقد ورد فيه قوله(عليه السلام): «... وإن كان دار الحسن غير دار الصدقة فبدا له أن يبيعها، فليبعها إن شاء لا حرج عليه فيه، وإن باع فإنّه يقسّمها ثلاثة أثلاث، فيجعل ثلثاً في سبيل الله، ويجعل ثلثاً في بني هاشم
(1) راجع وسائل الشيعة، ج19، الباب الأوّل من کتاب الوقوف والصدقات، ص171 _ 175.