ثم إنّ هنا حديثاً يدل على عدم جواز إصدار الحكم على الغائب، وهو ما عن أبي البختري عن جعفر عن أبيه عن علي (عليه السلام) قال: «لا يُقضى على غائب»(1)، وحمله صاحب الوسائل على معنى أنّه لا يقضى عليه قضاءً باتّاً، بل الغائب على حجّته، ويؤخذ من الحاضر الكفيل. ولعلّ هذا جمع تبرّعي.
وبالإمكان الجمع بالتخصيص بأن يقال: إنّ الغائب يشمل بإطلاقه الغائب الذي يمكن إبلاغه للحضور ويستطيع الحضور بسهولة، والغائب الذي ليس كذلك، وحديث الحكم على الغائب بالبيّنة منصرف وفق الارتكاز عن القسم الأول ومختصّ بالقسم الثاني، فيكون أخصّ من حديث المنع عن الحكم على الغائب ويقدّم عليه بالتخصيص. وعلى أيّ حال فحديث المنع عن الحكم على الغائب ساقط سنداً.
هذا، وينبغي إشباع الكلام في مسألة الحكم على الغائب من زاويتين:
أوّلاً في أقسام ما يحكم به، وثانياً في أقسام الغائب:
أقسام الحكم على الغائب
أمّا أقسام ما يحكم به فقد اتّضح في الأبحاث السابقة أنّه تارةً يحكم بالبيّنة، وأُخرى باليمين، وثالثةً بالقرعة، ورابعةً بقاعدة العدل والإنصاف، فهل يجوز الحكم على الغائب بكلّ هذه الأمور، أو لا؟
أمّا الحكم بالبيّنة فلا إشكال في جوازه على الغائب إمّا بإطلاق دليل حجّية البيّنة، أو بالنصّ الذي مضى، أو بدعوى أنّ دليل القضاء بالبيّنة إن لم يكن له إطلاق لفظي لفرض غياب المحكوم عليه فالعرف يتعدّى من الحاضر إلى الغائب؛ لارتكاز عدم الفرق بينهما إلا بالمقدار الذي يتدارك بكون الغائب على حجّته.
(1) وسائل الشيعة، ج18، ص217، الباب 26 من كيفيّة الحكم، ح4.