المولفات

المؤلفات > القضاء في الفقه الإسلاميّ

761

والثاني _ وجود مشكلة لا تعيّن لها حتى في الواقع فأُريد حلّها عن طريق القرعة.

والمورد الذي طبّقت عليه كبرى القرعة في هذا الحديث ليس من أحدهما؛ وذلك لوضوح أنّه لم يتحقّق أيّ عتق بقوله: «أوّل مملوك أملكه فهو حرّ»، فإنّ العتق لا يكون إلا في ملك، وقبل الملك لا معنى للعتق، فلابدّ من حمل هذه العبارة على عهد أو نذر أو يمين مثلاً، أو مجرّد بناء نفسي، وبمجرّد امتلاكه للعبيد الثلاثة لم ينعتق أيّ واحد منهم، وإنّما مفروض الحديث أن يعتق هو أحدهم بعد القرعة كما يدل عليه قوله: «فمن أصابه القرعة أُعتق». إذاً فلا واقع مجهول في المقام كما لا مشكلة في المقام، فإنّ وفاءه بعهده أو نذره ويمينه أو بما بنى عليه في قلبه لا يحتمّ عليه أكثر من عتق واحد على سبيل التخيير حتماً، وليس لأيّ واحد منهم حقّ المطالبة بتطبيق العتق عليه فليعتق من شاء منهم.

نعم هناك قضية أخلاقيّة وهي أنّ كلّ واحد منهم يتوقّع منه الإحسان بتطبيق العتق عليه، فلا ينبغي أخلاقيّاً ترجيح أحدهم على الباقين وحرمان الباقين بغير القرعة. إذاً فالقرعة هنا عمليّة أخلاقيّة لا أكثر من ذلك، فلا نستطيع أن نفهم من الكبرى التي طبّقها على المورد أو يحتمل إرادة تطبيقها على المورد _ وهي قوله: «والقرعة سنة» _ معنى الحجّية أو الوجوب؛ إذ لا ينطبق ذاك المعنى على المورد.

ولو فهمنا منه ذلك فسوف لن يكون للمتعلّق المحذوف إطلاق أكثر من مناسبة المورد وهو دائرة المباحات.

ولا يقال: إنّنا نجري الإطلاق الشمولي بلحاظ كلمة (القرعة) لا بلحاظ المتعلّق المحذوف، فإنّه يقال: إنّ القرعة متعلّق للحكم، وليس موضوعاً مفروض الوجود كالعالم في (أكرم العالم). وقد حقّقنا في محلّه أنّ الإطلاق بالنسبة لمتعلّق الحكم كالصلاة في قولنا: «الصلاة واجبة» بدلي وليس شموليّاً.