إلا أنّه _ بناءً على ما هو الصحيح من كون حجّية الإجماع على أساس الحدس وحساب الاحتمالات _ قد يقال حينما يكون الإجماع في غاية الوضوح والسعة والانتشار في جميع الطبقات من العلماء في طول التاريخ: إنّنا نستبعد خطأهم جميعاً رغم فرض استنادهم إلى المدارك، فإمّا أنّ إجماعهم نشأ من أخذ الحكم يداً عن يد من زمن المعصوم (عليه السلام)، أو أنّهم اعتمدوا على بعض هذه المدارك ممّا يدل بنفسه على صحّة ذاك المدرك، وأنّ الإشكال الموجود لدينا فيه سنداً أو دلالةً كان من الواضح قديماً خلافها. هذا إذا لم نكتشف استمرار الإجماع إلى زمن أصحاب الأئمّة (عليهم السلام)، وإلا فقد ثبت ما هو أقوى من الإجماع، وهو ارتكاز المتشرّعة.
وأمّا الارتكاز _ فيمكن أن يطبّق هنا على الارتكاز العقلائي، ولا شكّ أنّ المرتكز عقلائيّاً هو نفوذ الإقرار، ولا يبعد الجزم بكون ذلك ناشئاً من طبع عقلائي قائم على أساس قوّة كشف الإقرار نوعاً من ناحية، وتطابق درجة الاهتمام بالحفاظ على الأغراض والحقوق العقلائيّة لفرض الاعتماد على هذا الكشف من ناحية أُخرى ممّا يثبت أنّ هذا الارتكاز ليس قائماً على أساس نكتة حديثة، بل النكتة في ذلك عميقة بعمق التاريخ، وبهذا يثبت رسوخ الارتكاز في زمن المعصومين (عليهم السلام)، فعدم الردع من قبلهم بشكل واضح يصلنا دليل على الإمضاء.
كما يمكن أن يقال: إنّه لو لم نجزم بكون مفاد هذا الارتكاز العقلائي واضحاً لدى العقلاء في ذاك الزمان فلا أقلّ من الجزم إمّا بأنّه كان واضحاً، أو كان مقبولاً، أو محتملاً، فعلى أيّ تقدير لا نحتمل مخالفة ذلك من قبل المتشرِّعين من دون سؤال عن المعصوم وحصول الجواب منه بنفي نفوذ الإقرار، ولو كان شيء من هذا القبيل لكان يصلنا حتماً، فنحن نثبت بهذا البيان أنّ عمل المتشرّعة وارتكازهم كان وفق نفوذ الإقرار آخذين ذلك من العقلاء مع سكوت الشارع، أو من الشريعة.