رضي المنكر برفع اليد عن المطالبة بحقّه ولو موقّتاً، فلا دليل على نفوذ تحليف الحاكم إيّاه ولو بطلب من المدعي؛ لأنّ دليل كون وظيفة الحاكم حسم النزاع لا إطلاق له لفرض استعداد صاحب النزاع لرفع اليد عن النزاع ولو موقّتاً، وهنا صاحب النزاع هو المنكر؛ أي: إنّه المحروم عن الحقّ المتنازع فيه، ولو طلب المنكر الحلف حلّفه الحاكم ولو رغماً على المدّعي؛ لأنّ وظيفة الحاكم فصل النزاع.
فالمقياس في باب التحليف هو طلب من كان محروماً عن الحقّ المتنازع فيه سواء كان مدّعياً أو منكراً، ويكفي في ثبوت الطلب دلالة شاهد الحال على ذلك بلا حاجة إلى التصريح.
ولو أراد من بيده الحقّ المتنازع فيه تأجيل النزاع وعدم وقوع التحليف، فعليه أن يسلّم الحقّ بيد الآخر كي ينتقل حقّ طلب الحلف إليه.
فمثلاً لو كان المدّعي هو المسيطر على الحقّ المتنازع فيه، ولكنّه يطلب تأجيل الحلف؛ لأنّه يمتلك بيّنةً ستأتي بعد فترة ملحوظة من الزمن، فعليه أن يسلّم الحقّ إلى المنكر، ثم ينتظر البيّنة، وإلا فوظيفة الحاكم هي إنهاء النزاع بتحليف المنكر.
وما قلنا من أنّ من ليس بيده الحقّ المتنازع فيه يجوز له تأجيل الحلف نقصد بذلك تأجيله بتأجيل المطالبة بالحقّ، لا أن يؤجّل الحلف، ثم يؤذي صاحبه باستمرار المطالبة، وإلا خيّره الحاكم بين عدم تأجيل الحلف وترك المطالبة.
ولعلّ المُجمعين على اشتراط الحلف بطلب المدّعي كانوا ينظرون إلى ما هو الغالب من أنّ المسيطر على الحقّ المتنازع فيه هو المنكر، ولو فرض الإطلاق فيما قصدوه فالإجماع مدركي لا أثر له، ولم يثبت في المقام إجماع تعبّدي.
يبقى الكلام هنا في فرعين: